الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٤١
قال علي: وإنما نازعنا في وجوب الافعال بعض أصحاب مالك، على أنهم أترك خلق الله تعالى لافعال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك أنه عليه السلام جلد في الخمر أربعين، وهم يجلدون ثمانين وودى حضريا - وهو عبد الله بن سهل ادعى قتله على حضريين وهم يهود خيبر - بالإبل، فقالوا هم: لا يجوز ذلك ولا يودى إلا بالذهب أو الفضة. وصلى على قبر، فقالوا هم: لا نفعل ذلك، وصلى على غائب، فقالوا هم: لا نرى ذلك، وقبل وهو صائم. فقالوا هم: نكره ذلك، وصلى عليه السلام حاملا أمامة، فقالوا نكره ذلك، وصلى جالسا والناس وراءه وأبو بكر إلى جنبه قائم. فقالوا: لا يجوز ذلك، ومن صلى كذلك بطلت صلاته، في كثير جدا اقتصرنا منه على ما ذكرنا.
وبعضهم تعلق في هذه الأفعال بأنها خصوص له عليه السلام، ومن فعل ذلك فقد تعرض لغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن تعرض لغضبه عليه السلام فقد تعرض لغضب الله عز وجل، فقد غضب عليه السلام غضبا شديدا حين سأله الأنصاري عن قبلة الصائم: فأخبر عليه السلام أنه يفعل ذلك، فقال القائل: لست مثلنا يا رسول الله، أنت قد غفر لك ذنبك، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حينئذ غضبا شديدا وأنكر هذا القول، فمن أضل ممن تعرض لغضب الله عز وجل، وغضب رسوله عليه السلام في تقليد إنسان لا ينفعه ولا يضره، ولا يغني عنه من الله تعالى شيئا.
قال علي: واحتجوا في تخصيص القبلة للصائم بقول عائشة رضي الله عنها:
وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو محمد: وهذا القول منها، رضي الله عنها، أعظم الحجة عليهم، لأنها لم تقل ذلك على ما توهموا، وإنما قالته إنكارا على من استعظم القبلة للصائم. فأخبرهم أنه عليه السلام كان أورع منهم، وأملك لإربه، ولكنه مع ذلك لم يمتنع من التقبيل وهو صائم، فكيف أنتم. ويدل على صحة هذا التأويل دليلان بينان:
أحدهما: أنها رضي الله عنها هكذا قالت في مباشرة الحائض أنه عليه السلام كان يأمرها فتتزر ثم يباشرها، وأيكم أملك لإربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيلزمهم
(١٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 136 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258