الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٥٥
أو عذر ما، ويكون في كل واحد من العملين المذكورين اللذين أمر بأحدهما ونهى عن الآخر شئ ما - يمكن أن يستثنى من الآخر، وذلك بأن يكون على ما وصفنا في كل نص من النصين المذكورين حكمان فصاعدا، فيكون بعض ما ذكر في أحد النصين عاما لبعض ما ذكر في النص الآخر، ولا شئ آخر معه، ويكون الحكم الثاني الذي في النص الثاني عاما أيضا لبعض ما ذكر في هذا النص الآخر، ولا شيئا آخر معه.
قال علي: وهذا من أدق ما يمكن أن يعترض أهل العلم من تأليف النصوص وأغمضه وأصعبه، ونحن نمثل من ذلك أمثلة تعين بحول الله وقوته على فهم هذا المكان اللطيف. وليعلم طالب العلم والحريص عليه وجه العمل في ذلك إن شاء الله عز وجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وما وجدنا أحدا قبلنا شغل باله في هذا المكان بالشغل الذي يستحقه هذا الباب، فإن الغلط والتناقض فيه يكثر جدا إلا من سدده الله بمنه ولطفه، لا إله إلا هو.
قال علي: فمن ذلك قول الله تعالى ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) وقال عليه السلام: لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم منها ففي الآية عموم الناس وإيجاب عمل خاص عليهم وهو السفر إلى مكان واحد نفسه بعينه من سائر الأماكن، وهو مكة أعزها الله، فاضبط هذا، وفي الحديث المذكور تخصيص بعض الناس وهم النساء، ونهيهن عن عمل عام وهو السفر جملة، لم يخص بذلك مكان دون مكان.
فاختلف الناس في كيفية استعمال هذين النصين.
فقالت طوائف منهم: معنى ذلك ولله على الناس حج البيت حاشا النساء اللواتي لا أزواج لهن ولا ذا محرم، فليس عليهم حج إذا سافرت إليه سفرا قدره كذا، فاستثنوا كما ترى النساء من الناس.
وقالت طوائف أخر: معنى ذلك لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع زوج أو ذي محرم، إلا أن يكون سفرا أمرت به كالحج أو ندبت إليه كالنظر في مالها، أو ألزمته كالتغريب، فإنها تسافر إليه دون زوج ودون
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258