الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٥٣
التحريم، ومثل قوله تعالى: * (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن) * مع إباحته المحصنات من نساء أهل الكتاب بالزواج، فكن بذلك مستثنيات من جملة المشركات، وبقي سائر المشركات على التحريم، ومثل قوله عليه السلام: دماؤكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام مع قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم) وأمر على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم بقتل من ارتد بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفسا، أو شرب خمرا بعد أن حد فيها ثلاثا، وأباح قتل من سعى في الأرض فسادا، وأمر بأخذ أموال معروفة في الزكوات والنفقات والكفارات، وأمر بتغيير المنكر باليد، فكان كل ذلك مستثنى من جملة تحريم الدماء والأموال والاعراض، وبقي سائرها على التحريم.
فقد أرينا في هذه المسائل استثناء الأقل معاني من الأكثر معاني، وأرينا في ذلك إباحة من حظر، وحظرا من إباحة، وحديثا من آية، وآية من حديث، وآية من آية، وحديثا من حديث، ولا نبالي في هذا الوجه كما نعلم أي النصين ورد أولا أو لم نعلم ذلك، وسواء كان الأكثر معاني ورد أولا، أو ورد آخرا كل ذلك سواء، ولا يترك واحد منهما للآخر، لكن يستعملان معا كما ذكرنا - فهذا وجه.
والوجه الثاني أن يكون أحد النصين موجبا بعض ما أوجبه النص الآخر، أو حاظرا بعض ما حظره النص الآخر، فهذا يظنه قوم تعارضا، وتحيروا في ذلك فأكثروا وخبطوا العشواء، وليس في شئ من ذلك تعارض.
وقد بينا غلطهم في هذا الكتاب في كلامنا في باب دليل الخطاب، وذلك قوله عز وجل: وبالوالدين إحسانا وقال في موضع آخر إن الله يأمر بالعدل والاحسان وقال عليه السلام إن الله كتب الاحسان على كل شئ فكان أمره تعالى بالاحسان إلى الوالدين غيره معارض للإحسان إلى سائر الناس وإلى البهائم المتملكة والمقتولة بل هو بعضه وداخل في جملته. ومثل نهيه عليه السلام أن يزني أحدنا بحليلة جاره مع عموم قوله تعالى: * (ولا تقربوا الزنا) * فليس ذكره عليه السلام امرأة الجار معارضا لعموم النهي عن الزنى، بل هو بعضه.
فغلط قوم في هذا الباب فظنوا قوله عليه السلام في سائمة الغنم كذا، معارضا
(١٥٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 152 153 154 155 156 157 158 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258