الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٤٨
وقال ابن عباس: ألا تخافون أن يخسف الله بكم الأرض، أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقولون قال أبو بكر وعمر، وهؤلاء الأنصار نسوا قوله عليه السلام:
الأئمة من قريش، وقد رواه أنس. وقد روى عبادة بن الصامت ما يدل على ذلك وما كانوا يتركون اجتهادهم إلا لأمر بلغهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أبو هريرة يذكر أنهم كانوا رضوان الله عليهم تشغلهم أموالهم ومتاجرهم، وأنه هو كان يلازم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحضر ما لا يحضرون، وقد ذكرنا هذا الحديث في باب الاجماع - في ديواننا هذا - في فصل ترجمته:
إبطال قول من قال إن الجمهور إذا أجمعوا على قول وخالفهم واحد فإنه لا يلتفت إلى قوله فأغنى ذكرنا إياه هنالك عن ترداده ههنا.
وإذا وجدنا الصاحب تخفى عليه السنة، أو تبلغه فيتأول فيها التأويلات كما فعلوا في تحريم الخمر، فإن البخاري روى أنهم اختلفوا فمن قائل: حرمت لأنها كانت تأكل العذرة، ومن قائل: لأنها لم تخمس. ومن قائل: إنه خشي فناء الظهر، وقال بعضهم: بل حينئذ حرمت البتة.
قال علي: وكل ذلك باطل إلا قول من قال: حرمت البتة، وقد جاء النص بتحريمها لعينها، ولأنها رجس، روى ذلك أنس. فلما صح كل ما ذكرنا وبطل التقليد جملة، وجب أن يؤخذ برأي صاحب، وإن تعرى من مخالفة الخبر - فكيف إذا استضاف إلى مخالفة الخبر. وقد كتبنا في باب إبطال التقليد من هذا الكتاب ما أفتوا به رضوان الله عليهم، فأخبر عليه السلام: أنه ليس كذلك.
قال علي: وكل ما تعلق به أهل اللواذ عن الحقائق - عند غلبة الحيرة عليهم من مثل هذا وشبهه - فهم أترك خلق الله تعالى له، وإنما تعلق بهذا أصحاب أبي حنيفة في خلافهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم: بغسل الاناء من ولوغ الكلب سبعا فقالوا: قد روي أن أبا هريرة أفتى من رأيه بأن يغسل منه ثلاثا، ثم تركوا قول أبي هريرة، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فخالفوا روايته التي لا يحل خلافها، ورأيه الذي احتجوا به، وأحدثوا دينا حديثا، فقالوا: لا يغسل إلا مرة واحدة، ونقدها هنا المالكيون أصولهم ووفقوا في ذلك فقالوا: يغسل سبعا فأخذوا برواية أبي هريرة وتركوا رأيه، وتعلقوا كلهم بذلك أيضا في حديث ابن عباس
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258