الاحكام - ابن حزم - ج ٢ - الصفحة ١٤٩
وعائشة في الصوم عن الميت فقالوا: قد أفتى ابن عباس وعائشة بخلاف ذلك، فتناقض المالكيون والحنفيون ههنا، فأخذوا بقول ابن عباس وعائشة وتركوا روايتهما. وأخذ المالكيون آنفا برواية أبي هريرة، وتركوا قوله، ولا حجة للحنفيين في خلاف عائشة وابن عباس هذا الحديث، لأنه إن كان تركته عائشة، فقد رواه أيضا بريدة الأسلمي، ولم يخالفه، وأما ابن عباس فالأصح عنه أنه أفتى بما رواه عنه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان، وليس بالقوي، وروى سعيد بن جبير خلاف ذلك وهو أصح.
وأما تعلقهم بأن عائشة رضي الله عنها خالفت في فتياها ما روت من الامر بالصيام عن الميت، فأين هم عن طرد هذا الأصل الفاسد؟ إذ روت عائشة رضي الله عنها أن الصلاة فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر، وكانت هي تتم في السفر، فأخذوا بروايتها وتركوا رأيها وعملها، وإذ روت التحريم بلبن العجل، ثم كانت لا تأخذ بذلك، ولا يدخل عليها من أرضعته نساء إخوتها، ويدخل عليها من أرضعته بنات أخواتها فتركوا رأيها، وأخذوا بروايتها، وإذ روت أن كل امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فخالفت ذلك وأنكحت بنت أخيها عبد الرحمن - المنذر - ابن الزبير - وعبد الرحمن حي غائب غيبة قريبة بالشام بغير علمه ولا أمره، فأخذ المالكيون بروايتها وتركوا رأيها وعملها. فإن قالوا: تأولت في كل هذا قلنا لهم: وهكذا تأولت في فتياها بألا يصام عن الميت، ولعل المرأة التي أفتت ألا يصام عنها كانت لا ولي لها، فلم تر عائشة رضي الله عنها أن تخرج من ظاهر الحديث الذي روت في ذلك لان نصه من مات وعليه صيام صام عنه وليه.
وهكذا فعل المالكيون فيما روي عن عمر أنه رأى للمبتوتة السكنى والنفقة،
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في الكلام على الخبر المرسل 135
2 فصل في أقسام السنن وأنها ثلاثة 138
3 فصل في خلاف الصاحب للرواية وتعلل أهل الباطل لذلك 143
4 فصل فيما ادعاه قوم من تعارض النصوص 151
5 فصل في تمام الكلام في تعارض النصوص 166
6 فصل فيمن قال لا يجوز تخصيص القرآن بالخبر والرد عليه 189
7 فصل وقد يرد خبر مرسل إلا أن الإجماع صح بما فيه متيقنا 192
8 فصل وقد أجاز بعض أصحابنا أن يرد حديث صحيح ويكون الإجماع على خلافه 193
9 فصل وإذا قال الصحابي السنة كذا وأمرنا بكذا فليس هذا اسنادا 194
10 فصل وقد ذكر قوم أحاديث في بعضها إبطال شرائع الإسلام وفي بعضها نسبة الكذب إلى رسول الله (ص) 197
11 فصل وليس كل من أدرك النبي (ص) ورآه صحابيا 203
12 فصل وحكم الخبر أن يورد بنص لفظه لا يبدل ولا يغير 205
13 فصل وإذا روى العدل زيادة على ما روى الغير فالأخذ بتلك الزيادة فرض 208
14 فصل في إبطال ترجيح الحديث بعمل أهل المدينة وإبطال الاحتجاج بعملهم أيضا 214
15 فصل فيه بيان سبب الاختلاف الواقع بين الأئمة في صدر هذه الأمة 237
16 فصل في فضل الاكثار من الرواية للسنن والرد على من ذم الاكثار من رواية الحديث 245
17 فصل في صفة الرواية 255
18 فصل وقد تعلل قوم في أحاديث صحاح بأن قالوا هذا حديث أسنده فلان وأرسله فلان 258