الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ٨٤
فالقائلون نحن نعبد الملائكة والمسيح كذبة في دعواهم لذلك ما عبدوهم قط، وإنما عبدوا الشياطين لانقيادهم لأمرهم واتباعهم إغواءهم، ولو اتبعوا الملائكة والمسيح عليه السلام ما أمروهم إلا بعبادة الله عز وجل، وبأن يقولوا: إننا لا نعبد شيئا من دون الله عز وجل، بل كانوا ينهونهم عن الكذب وهذا عين الكذب، وقد بين عليه السلام معنى قول ربه تعالى: * (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم) * فقال قائل: يا رسول الله ما كنا نعبدهم، فأخبرهم عليه السلام أنهم إذا أطاعوهم في تحريم ما حرموا، وتحليل ما أحلوا، فقد اتخذوهم أربابا، ونحن إنما أطعنا أمر نبينا عليه السلام لعلمنا أنه كله من عند الله عز وجل، وأنه لا يقول من تلقاء نفسه شيئا. قال الله عز وجل: * (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) *.
فإن قال قائل: فعلى قولك فمن عصى منا لم يعبد الله عز وجل؟ قيل له: نعم، لم يعبد الله تعالى لتلك المعصية ولا فيها، ولكن عبده في سائر طاعته وإقراره بالتوحيد. فإن قال قائل: فعلى قولك إننا إذا أطعنا الرسول صلى الله عليه وسلم لقد عبدناه. قيل له وبالله تعالى التوفيق: إن طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم توجب ألا يطلق لفظ العبادة ولا معناها إلا لله عز وجل وحده لا شريك له، وتوجب أن من أطاع الشيطان في الكفر فقد عبده، وهذه معان شرعية لا يتجاوز فيها ما أتت به الشريعة فقط، وأما من ادعى بيان كون أن السلب للقاتل نزل بعد آية قسم الغنائم، فدعوى لا يقوم عليها دليل ولا روي ذلك قط من وجه يصح، وكذلك القول في بيان سهم ذي القربى وأن بيان كون بني هاشم وبني عبد المطلب هم ذو القربى، دون بني عبد شمس وبني نوفل، نزل متأخرا عن الآية دعوى لا تصح أصلا.
فإن قال قائل: فإن عثمان رضي الله عنه، وجبير بن مطعم جهلا هذا، قيل له:
نعم، وما في هذا علينا من الحجة، ومتى منعنا أن يخفى على الصاحب والصاحبين والعشرة والأكثر منهم فهم آية أو آيات من القرآن. وقد كان في قسمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني المطلب دونهما ما يكفي، لأنهما كانا يوقنان بلا شك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يمنع ذا حق حقه، ولا يعطي أحدا غير حقه، فكان
(٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122