الاحكام - ابن حزم - ج ١ - الصفحة ٨٩
فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل مضمون لنا أنه لا يضيع منه شئ، إذ ما حفظ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شئ فهو منقول إلينا كله. فلله الحجة علينا أبدا، وقال تعالى : * (وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله) * فوجدنا الله تعالى يردنا إلى كلام نبيه صلى الله عليه وسلم على ما قدمنا آنفا، فلم يسمع مسلما يقر بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن والخبر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أن يأتي عما وجد فيهما فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلا للخروج عن أمرهما وموجبا لطاعة أحد دونهما، فهو كافر شك عندنا في ذلك.
وقد ذكرنا محمد بن نصر المروزي أن إسحاق بن راهويه كان يقول: من بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر يقر بصحته ثم رده بغير تقية فهو كافر، ولم نحتج في هذا بإسحاق، وإنما أوردناه لئلا يظن جاهل أننا منفردون بهذا القول، وإنما احتججنا في تكفيرنا من استحل خلاف ما صح عنده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول الله تعالى مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) *.
قال علي: هذه كافية لمن عقل وحذر وآمن بالله واليوم الآخر، وأيقن أن هذا العهد عهد ربه تعالى إليه، ووصيته عز وجل الواردة عليه، فليفتش الانسان نفسه، فإن وجد في نفسه مما قضاه رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل خبر يصححه مما قد بلغه، أو وجد نفسه غير مسلمة لما جاءه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجد نفسه مائلة إلى قول فلان وفلان، أو قياسه واستحسانه، وأوجد نفسه تحكم فيما نازعت فيه أحدا دون رسول الله صلى الله عليه وسلم متى صاحت فمن دونه، فليعلم أن الله تعالى قد أقسم، وقوله الحق إنه ليس مؤمنا وصدق الله تعالى، وإذا لم يكن مؤمنا فهو كافر، ولا سبيل إلى قسم ثالث.
وليعلم أن كل من قلد، من صاحب أو تابع أو مالكا أو أبو حنيفة والشافعي وسفيان والأوزاعي وأحمد وداود رضي الله عنهم متبرئون منه في الدنيا
(٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 كلمة المطبعة وفيها تعليل شدة ابن حزم على الفقهاء 3
2 وعد.. ووعد 4
3 خطبة الكتاب 5
4 المقدمة وفيها بيان قوى النفس الإنسانية 6
5 الباب الأول في الغرض المقصود من الكتاب 7
6 الباب الثاني في فهرس الكتاب وأبوابه 12
7 الباب الثالث في إثبات حجج العقول 14
8 الباب الرابع في كيفية ظهور اللغات 28
9 الباب الخامس في الألفاظ (الاصطلاحية) الدائرة بين أهل النظر 34
10 فصل في حروف المعاني التي تتكرر في النصوص 46
11 الباب السادس هل الأشياء في العقل قبل ورود الشرع على الحظر أم على أم على الإباحة 47
12 فصل فيمن لم يبلغه الأمر من الشريعة 55
13 الباب السابع في أصول الأحكام في الديانة وأقسام المعارف 59
14 فصل في هل على النافي دليل أم لا 68
15 الباب الثامن في البيان ومعناه 71
16 الباب التاسع في تأخير البيان 75
17 الباب العاشر في الأخذ بموجب القرآن 85
18 الباب الحادي عشر في الكلام في الأخبار (وهى السنن المنقولة عن رسوله الله (ص) 87
19 فصل فيه أقسام الأخبار عن الله تعالى 93
20 فصل في هل يوجب خبر الواحد العلم مع العمل أو العمل دون العلم 107
21 صفة من يلزم قبول نقله الأخبار 122