تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٢١٥
وقوله: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) اختلف في الضمير أيضا، هل يعود على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أو على مسجد " قباء "؟ روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يا معشر الأنصار، إني رأيت الله أثنى عليكم بالطهور، فماذا تفعلون؟ " قالوا: يا رسول الله، إنا رأينا جيراننا من اليهود يتطهرون بالماء يريدون الاستنجاء، ففعلنا نحن ذلك، فلما جاء الإسلام، لم ندعه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فلا تدعوه إذن ".
والبنيان الذي أسس على شفا جرف: هو مسجد الضرار، بإجماع، و " الشفا ":
الحاشية والشفير، و (هار): معناه متهدم بال، وهو من: هار يهور، البخاري: هار هائر تهورت البئر، إذا تهدمت وانهارت مثله. انتهى.
وتأسيس البناء على تقوى، إنما هو بحسن النية فيه وقصد وجه الله تعالى، وإظهار شرعه، كما صنع في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي مسجد " قباء "، والتأسيس على شفا جرف هار إنما هو بفساد النية وقصد الرياء، والتفريق بين المؤمنين، فهذه تشبيهات صحيحة بارعة.
وقوله سبحانه: (فانهار به في نار جهنم): الظاهر منه أنه خارج مخرج المثل، وقيل: بل ذلك حقيقة، وأن ذلك المسجد بعينه أنهار في نار جهنم، قاله قتادة وابن جريج، وروي عن جابر بن عبد الله وغيره، أنه قال: رأيت الدخان يخرج منه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وروي في بعض الكتب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رآه حين أنهار بلغ الأرض السابعة، ففزع لذلك صلى الله عليه وسلم، وروي أنهم لم يصلوا فيه أكثر من ثلاثة / أيام، وهذا كله بإسناد لين، والله أعلم، وأسند الطبري عن خلف بن ياسين، أنه قال: رأيت مسجد المنافقين الذي ذكره الله في القرآن، فرأيت فيه مكانا يخرج منه الدخان وذلك في زمن أبي جعفر المنصور، وروي شبيه بهذا أو نحوه عن ابن جريج: أسنده الطبري.
(٢١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 210 211 212 213 214 215 216 217 218 219 220 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة