تفسير الثعالبي - الثعالبي - ج ٣ - الصفحة ٢١٣
(والذين اتخذوا)، وقرأ أهل المدينة، نافع وغيره الذين اتخذوا - بإسقاط الواو -، على أنه مبتدأ، والخبر: (لا يزال بنيانهم) وأما الجماعة المرادة ب‍ (الذين اتخذوا مسجدا)، فهم منافقو بني غنيم بن عوف، وبني سالم بن عوف، وأسند الطبري، عن ابن إسحاق، عن الزهري وغيره، أنه قال: أقبل النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، حتى نزل بذي أوان - بلد بينه وبين المدينة ساعة من نهار - وكان أصحاب مسجد الضرار، قد أتوه صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك، فقالوا: يا رسول الله، إنا قد بنينا مسجدا، لذي العلة والحاجة والليلة المطيرة، وإنا نحب أن تأتينا فتصلي لنا فيه، فقال: " إني على جناح سفر، وحال شغل، ولو قدمنا إن شاء الله أتيناكم، فصلينا لكم فيه "، فلما قفل، ونزل بذي أوان، نزل عليه القرآن في شأن مسجد الضرار، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم مالك بن الدخشن ومعن بن عدي، أو أخاه عاصم بن عدي، فقال: " انطلقا إلى هذا المسجد الظالم أهله، فاهدماه، وحرقاه " فانطلقا مسرعين ففعلا وحرقاه، وذكر النقاش أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث لهدمه وتحريقه عمار بن ياسر ووحشيا مولى المطعم بن عدي، وكان بانوه اثني عشر رجلا، منهم ثعلبة بن حاطب، ومعتب بن قشير، ونبتل بن الحارث وغيرهم، وروي أنه لما بني صلى الله عليه وسلم مسجدا في بني عمرو بن عوف وقت الهجرة، وهو مسجد " قباء " وتشرف القوم بذلك، حسدهم حينئذ رجال من بني عمهم من بني غنم بن عوف، وبنى سالم بن عوف، وكان فيهم نفاق، وكان موضع مسجد " قباء " مربطا لحمار امرأة من الأنصار، اسمها: لية، فكان المنافقون يقولون: والله لا نصبر على الصلاة في مربط حمار لية، ونحو هذا من الأقوال، وكان أبو عامر المعروف بالراهب منهم، وهو أبو حنظلة غسيل الملائكة، وكان سيدا من نظراء عبد الله بن أبي ابن سلول، فلما جاء الله بالإسلام، نافق، ولم يزل مجاهرا بذلك، فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم الفاسق، ثم خرج في جماعة من المنافقين، فخرب على النبي صلى الله عليه وسلم الأحزاب، فلما ردهم الله بغيظهم، أقام أبو عامر ب‍ " مكة " مظهرا لعداوته، فلما فتح الله " مكة "، هرب إلى " الطائف "، فلما أسلم أهل الطائف، خرج هاربا إلى الشام، يريد قيصر مستنصرا به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكتب إلى المنافقين من قومه أن ابنوا مسجدا، مقاومة لمسجد " قباء "، وتحقيرا له، فإني سآتي بجيش من الروم، أخرج به محمدا، وأصحابه من " المدينة "، فبنوه وقالوا: سيأتي أبو عامر ويصلي فيه، فذلك قوله: (وإرصادا لمن حارب الله ورسوله) يعني: أبا عامر، وقولهم: سيأتي أبو عامر، وقوله: (ضرارا) أي: داعية للتضارر من / جماعتين.
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة