تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ١٩ - الصفحة ١١٦
وهي محجوبة اليوم وتحجب وتستر آثار الأسباب وروابطها وهي ظاهرة اليوم وتذل الأعزة من أهل الكفر والفسق وتعز المتقين.
قوله تعالى: " إذا رجت الأرض رجا " الرج تحريك الشئ تحريكا شديدا إشارة إلى زلزلة الساعة التي يعظمها الله سبحانه في قوله: " إن زلزلة الساعة شئ عظيم " الحج: 1، وقد عظمها في هذه الآية حيث عبر عنها برج الأرض ثم أكد شدتها بتنكير قوله: " رجا " أي رجا لا يوصف شدته. والجملة بدل أو بيان لقوله: " إذا وقعت الواقعة ".
قوله تعالى: " وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا " عطف على " رجت " والبس الفت وهو عود الجسم بدق ونحوه أجزاء صغارا متلاشية كالدقيق، وقيل: البس هو التسيير فهو في معنى قوله: " وسيرت الجبال " النبأ: 20.
وقوله: " فكانت هباء منبثا " الهباء قيل: هو الغبار وقيل: هو الذرة من الغبار الظاهر في شعاع الشمس الداخل من كوة، والانبثات التفرق، والمعنى ظاهر.
قوله تعالى: " وكنتم أزواجا ثلاثة " الزوج بمعنى الصنف والخطاب لعامة البشر.
قوله تعالى: " فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة " متفرع على ما قبلها تفرع البيان على المبين، فهذه الآية والآيتان بعدها بيان للأزواج الثلاثة.
والميمنة من اليمن مقابل الشؤم، فأصحاب الميمنة أصحاب السعادة واليمن مقابل أصحاب المشأمة أصحاب الشقاء والشؤم، وما قيل: إن المراد بالميمنة اليمين، أي ناحية اليمين لأنهم يؤتون كتابهم بيمينهم وغيرهم يؤتونه بشمالهم يرده مقابلة أصحاب الميمنة بأصحاب المشأمة، ولو كان كما قيل لقيل أصحاب الشمال وهو ظاهر.
وما في قوله: " ما أصحاب الميمنة " استفهامية ومبتدأ خبره " أصحاب الميمنة "، والمجموع خبر لقوله: " وأصحاب الميمنة " وفي الاستفهام إعظام لأمرهم وتفخيم لشأنهم.
قوله تعالى: " وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة " المشأمة مصدر كالشؤم مقابل اليمين، والميمنة والمشأمة السعادة والشقاء.
قوله تعالى: " والسابقون السابقون " الذي يصلح أن يفسر به السابقون الأول قوله تعالى: " فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله " فاطر: 32، وقوله: " ولكل وجهة هو موليها فاستبقوا الخيرات " البقرة: 148، وقوله: " أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون " المؤمنون: 61.
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»
الفهرست