تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٧٨
وذلك أنهم إنما يؤتون الصدقة لله وإنما يسلمونها إلى الرسول أو إلى عامله وجابيه بما أنه مأمور من قبل الله في اخذها فإيتاؤه إيتاء لله، وأخذه أخذ من الله فالله سبحانه هو الاخذ لها بالحقيقة، وقد قال تعالى في أمثاله: (إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم) الفتح: 10 وقال: (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) الأنفال: 13 وقال قولا عاما: (من يطع الرسول فقد أطاع الله) النساء: 80.
فإذا ذكر الناس بمثل قوله: (ألم يعلموا أن الله) الآية، انبعثت رغباتهم واشتاقوا أن يعاملوا ربهم فيصافحوه ويمسوا بأيديهم يده تنزه عن عوارض الأجسام وتعالى عن ملابسة الحدثان.
ومقارنته الصدقة بالتوبة لما أن التوبة تطهر وإيتاء الصدقة تطهر فالتصدق بصدقة توبة مالية كما أن التوبة بمنزلة الصدقة في الأعمال والحركات، ولذلك عطف على صدر الآية قوله ذيلا: (وأن الله هو التواب الرحيم) فذكر عباده باسميه التواب والرحيم، وجمع فيهما التوبة والتصدق.
وقد بان من الآية ان التصدق وإيتاء الزكاة نوع من التوبة.
قوله تعالى: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) الآية، الآية على ظاهر اتصالها بما قبلها كأنها تخاطب المؤمنين وتسوقهم وتحرضهم إلى إيتاء الصدقات.
غير أن لفظها مطلق لا دليل على تخصيص خطابها بالمتصدقين من المؤمنين ولا بعامة المؤمنين بل هي تشمل كل ذي عمل من الناس من الكفار والمنافقين والمؤمنين ولا أقل من شمولها للمنافقين والمؤمنين جميعا.
إلا أن نظير الآية الذي مر أعني قوله في سياق الكلام على المنافقين: (وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبؤكم بما كنتم تعملون) التوبة:
94 حيث ذكر الله ورسوله في رؤية عملهم ولم يذكر المؤمنين لا يخلو من إيماء إلى أن الخطاب في الآية التي نحن فيها للمؤمنين خاصة فإن ضم إحدى الآيتين إلى الأخرى يخطر بالبال ان حقيقة أعمال المنافقين أعني مقاصدهم من أعمالهم لما كانت خفية على ملا الناس فإنما يعلم بها الله ورسوله بوحي من الله تعالى، وأما المؤمنون فحقائق أعمالهم أعني مقاصدهم منها وآثارها وفوائدها التي تتفرع عليها وهى شيوع التقوى وإصلاح شؤون المجتمع الاسلامي وإمداد الفقراء في معايشهم وزكاة الأموال ونماؤها يعلمها الله
(٣٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 373 374 375 376 377 378 379 380 381 382 383 ... » »»
الفهرست