تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٨٢
وفي الدر المنثور اخرج ابن مردويه من طريق الأوزاعي حدثني يحيى بن كثير والقاسم ومكحول وعبدة بن أبى لبابة وحسان بن عطية انهم سمعوا جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقولون: لما أنزلت هذه الآية: (والسابقون الأولون - إلى قوله - ورضوا عنه) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا لامتي كلهم، وليس بعد الرضا سخط.
أقول: معناه ان من رضي الله عنهم ورضوا عنه هم الذين جمعتهم الآية لا ان الآية تدل على رضاه تعالى عن الأمة كلهم فهذا مما يدفعه الكتاب بالمخالفة القطعية، وكذا قوله: (وليس بعد الرضا سخط) مراده ليس بعد الرضا المذكور في الآية سخط، وقد قررناه فيما تقدم لا أنه ليس بعد مطلق رضى الله سخط فهو مما لا يستقيم البتة.
وفيه اخرج أبو الشيخ وابن عساكر عن أبي صخر حميد بن زياد قال: قلت لمحمد بن كعب القرظي: اخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وانما أريد الفتن. فقال:
ان الله قد غفر لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وأوجب لهم الجنة في كتابه محسنهم ومسيئهم. قلت: وفي أي موضع أوجب الله لهم الجنة في كتابه؟ قال: ألا تقرا:
(والسابقون الأولون) الآية أوجب لجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والرضوان، وشرط على التابعين شرطا لم يشترطه فيهم.
قلت: وما اشترط عليهم؟ قال: اشترط عليهم ان يتبعوهم بإحسان يقول:
يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة، ولا يقتدون بهم في غير ذلك. قال أبو صخر: فوالله لكأني لم اقرأها قبل ذلك، وما عرفت تفسيرها حتى قرأها على محمد بن كعب.
أقول: هو - كما ترى - يسلم ان في أعمالهم حسنة وسيئة وطاعة وفسقا غير أن الله رضى عنهم في جميع ذلك وغفرها لهم فلا يجازيهم بالسيئة سيئة، وهو الذي ذكرنا في البيان المتقدم ان مقتضاه تكذيب آيات كثيرة قرآنية تدل على أن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين والظالمين وأنه لا يحبهم ولا يهديهم، وتقيد آيات أكثر من ذلك وهى أكثر الآيات القرآنية الدالة على عموم جزاء الحسنة بالحسنة والسيئة بالسيئة من غير مقيد وعليها تعتمد آيات الأمر والنهي وهى آيات الاحكام بجملتها.
ولو كان مدلول الآية هذا الذي ذكره لكانت الصحابة على عربيتهم المحضة واتصالهم بزمان النبوة ونزول الوحي أحق ان يفهموا من الآية ذلك، ولو كانوا فهموا منها ذلك لما عامل بعضهم بعضا بما ضبطه النقل الصحيح.
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»
الفهرست