تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٧٣
الأولون من الأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، والصنفان الأولان فاقدان لوصف التبعية وإنما هما إمامان متبوعان لغيرهما والصنف الثالث ليس متبوعا إلا بالقياس.
وهذا نعم الشاهد على أن المراد بالسابقين الأولين هم الذين أسسوا أساس الدين ورفعوا قواعده قبل ان يشيد بنيانه ويهتز راياته صنف منهم بالايمان واللحوق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والصبر على الفتنة والتعذيب، والخروج من ديارهم وأموالهم بالهجرة إلى الحبشة والمدينة، وصنف بالايمان ونصرة الرسول وإيوائه وإيواء من هاجر إليهم من المؤمنين والدفاع عن الدين قبل وقوع الوقائع.
وهذا ينطبق على من آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل الهجرة ثم هاجر قبل وقعة بدر التي منها ابتدأ ظهور الاسلام على الكفر أو آمن بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وآواه وتهيأ لنصرته عند ما هاجر إلى المدينة.
ثم إن قوله: (والذين اتبعوهم بإحسان) قيد فيه اتباعهم بإحسان ولم يرد الاتباع في الاحسان بأن يكون المتبوعون محسنين ثم يتبعهم التابعون في إحسانهم ويقتدوا بهم فيه - على أن يكون الباء بمعنى في - ولم يرد الاتباع بواسطة الاحسان - على أن يكون الباء للسببية أو الالية - بل جئ بالاحسان منكرا، والأنسب له كون الباء بمعنى المصاحبة فالمراد أن يكون الاتباع مقارنا لنوع ما من الاحسان مصاحبا له، وبعبارة أخرى يكون الاحسان وصفا للاتباع.
وإنا نجده تعالى في كتابه لا يذم من الاتباع إلا ما كان عن جهل وهوى كاتباع المشركين آباءهم، واتباع أهل الكتاب أحبارهم ورهبانهم وأسلافهم عن هوى واتباع الهوى واتباع الشيطان فمن اتبع شيئا من هؤلاء فقد أساء في الاتباع ومن اتبع الحق لا لهوى متعلق بالاشخاص وغيرهم فقد أحسن في الاتباع، قال تعالى: (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله) الزمر: 18 ومن الاحسان في الاتباع كمال مطابقة عمل التابع لعمل المتبوع ويقابله الإساءة فيه.
فالظاهر أن المراد بالذين اتبعوهم بإحسان ان يتبعوهم بنوع من الاحسان في الاتباع وهو ان يكون الاتباع بالحق - وهو اتباعهم لكون الحق معهم - ويرجع إلى اتباع الحق بالحقيقة بخلاف اتباعهم لهوى فيهم أو في اتباعهم، وكذا مراقبة التطابق.
هذا ما يظهر من معنى الاتباع بإحسان، وأما ما ذكروه من أن المراد كون
(٣٧٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 378 ... » »»
الفهرست