تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٥٠
قوله تعالى: (فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه) الآية. الأعقاب الايراث قال في المجمع: وأعقبه وأورثه وأداه نظائر وقد يكون أعقبه بمعنى جازاه. انتهى وهو مأخوذ من العقب، ومعناه الاتيان بشئ عقيب شئ.
والضمير في قوله: (فأعقبهم) راجع إلى البخل أو إلى فعلهم الذي منه البخل، وعلى هذا فالمراد بقوله: (يوم يلقونه) يوم لقاء البخل أي جزاء البخل بنحو من العناية.
ويمكن ان يرجع الضمير إليه تعالى والمراد بيوم يلقونه يوم يلقون الله وهو يوم القيامة على ما هو المعروف من كلامه تعالى من تسمية يوم القيامة بيوم لقاء الله أو يوم الموت كما هو الظاهر من قوله تعالى: (من كان يرجوا لقاء الله فإن اجل الله لات) العنكبوت: 5.
وهذا الثاني هو الظاهر على الثاني لان الأنسب عند الذهن ان يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يموتوا. دون ان يقال: فهم على نفاقهم إلى أن يبعثوا إذ لا تغير لحالهم فيما بعد الموت على أي حال.
وقوله: (بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون) الباء في الموضعين منه للسببية أي إن هذا البخل أورثهم نفاقا بما كان فيه من الخلف في الوعد والاستمرار على الكذب الموجبين لمخالفة باطنهم لظاهرهم وهو النفاق.
ومعنى الآية: فأورثهم البخل والامتناع عن إيتاء الصدقات نفاقا في قلوبهم يدوم لهم ذلك ولا يفارقهم إلى يوم موتهم وإنما صار هذا البخل والامتناع سببا لذلك لما فيه من خلف الوعد لله والملازمة والاستمرار على الكذب.
أو المعنى: جازاهم الله نفاقا في قلوبهم إلى يوم لقائه وهو يوم الموت لانهم أخلفوه ما وعدوه وكانوا يكذبون.
وفي الآية دلالة اولا: على أن خلف الوعد وكذب الحديث من أسباب النفاق وأماراته.
وثانيا: ان من النفاق ما يعرض الانسان بعد الايمان كما أن من الكفر ما هو كذلك وهو الردة، وقد قال الله سبحانه: (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوءى أن كذبوا بآيات الله وكانوا بها يستهزءون) الروم: 10 فذكر ان الإساءة ربما أدى بالانسان إلى تكذيب آيات الله، والتكذيب ربما كان ظاهرا وباطنا معا وهو الكفر، أو باطنا فحسب وهو النفاق.
(٣٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 345 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 ... » »»
الفهرست