تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٦١
استدرك بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والذين آمنوا معه - والمراد بهم المؤمنون حقا الذين خلصت قلوبهم من رين النفاق بدليل المقابلة مع المنافقين - ليمدحهم بالجهاد بأموالهم وأنفسهم أي انهم لم يرضوا بالقعود ولم يطبع على قلوبهم بل نالوا سعادة الحياة والنور الإلهي الذي يهتدون به في مشيهم كما قال تعالى: (أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشى به في الناس) الانعام: 122.
ولذلك عقب الكلام بقوله: (وأولئك لهم الخيرات أولئك هم المفلحون) فلهم جميع الخيرات - على ما يقتضيه الجمع المحلى باللام - من الحياة الطيبة ونور الهدى والشهادة وسائر ما يتقرب به إلى الله سبحانه، وهم المفلحون الفائزون بالسعادة.
قوله تعالى: (أعد الله لهم جنات تجرى) الآية الاعداد هو التهيئة وقد عبر بالاعداد دون الوعد لان الأمور بخواتيمها وعواقبها فلو كان وعدا وهو وعد لجميع من آمن معه لكان قضاء حتميا واجب الوفاء سواء بقى الموعودون على صفاء إيمانهم وصلاح أعمالهم أو غيروا والله لا يخلف الميعاد.
والأصول القرآنية لا تساعد على ذلك، ولا الفطرة السليمة ترضى ان ينسب إلى الله سبحانه ان يطبع بطابع المغفرة والجنة الحتمية على أحد لعمل عمله من الصالحات ثم يخلى بينه وبين ما شاء وأراد.
ولذلك نجده سبحانه إذا وعد وعدا علقه على عنوان من العناوين العامة كالايمان والعمل الصالح يدور معه الوعد الجميل من غير أن يخص به اشخاصا بأعيانهم فيفيد التناقض بالجمع بين التكليف والتأمين كما قال تعالى: (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات) الآية 72 من السورة، وقال تعالى: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم - إلى أن قال - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما) الفتح: 29.
قوله تعالى: (وجاء المعذرون من الاعراب ليؤذن لهم) الآية. الظاهر أن المراد بالمعذرين هم أهل العذر كالذي لا يجد نفقه ولا سلاحا بدليل قوله: (وقعد الذين كذبوا) الآية، والسياق يدل على أن في الكلام قياسا لاحدى الطائفتين إلى الأخرى ليظهر به لؤم المنافقين وخستهم وفساد قلوبهم وشقاء نفوسهم، حيث إن فريضة الجهاد الدينية والنصرة لله ورسوله هيج لذلك المعذرين من الاعراب وجاءوا
(٣٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 ... » »»
الفهرست