تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٥١
قوله تعالى: (ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم) الآية النجوى الكلام الخفى والاستفهام للتوبيخ والتأنيب.
قوله تعالى: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم) الآية التطوع الاتيان بما لا تكرهه النفس ولا تحسبه شاقا ولذلك يستعمل غالبا في المندوبات لما في الواجبات من شائبة التحميل على النفس بعدم الرضى بالترك.
ومقابلة المطوعين من المؤمنين في الصدقات بالذين لا يجدون الا جهدهم قرينة على أن المراد بالمطوعين فيها الذين يؤتون الزكاة على السعة والجدة كأنهم لسعتهم وكثرة مالهم يؤتونها على طوع ورغبة من غير أن يشق ذلك عليهم بخلاف الذين لا يجدون إلا جهدهم أي مبلغ جهدهم وطاقتهم أو ما يشق عليهم القنوع بذلك.
وقوله: (الذين يلمزون) الآية كلام مستأنف أو هو وصف للذين ذكروا بقوله:
(ومنهم من عاهد الله) الآية كما قالوا. والمعنى: الذين يعيبون الذين يتطوعون بالصدقات من المؤمنين الموسرين والذين لا يجدون من المال إلا جهد أنفسهم من الفقراء المعسرين فيعيبون المتصدقين موسرهم ومعسرهم وغنيهم وفقيرهم ويسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم، وفيه جواب لاستهزائهم وإيعاد بعذاب شديد.
قوله تعالى: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) الترديد بين الأمر والنهي كناية عن تساوى الفعل والترك أي لغوية الفعل كما مر نظيره في قوله: (أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم) التوبة: 53.
فالمعنى ان هؤلاء المنافقين لا تنالهم مغفرة من الله ويستوى فيهم طلب المغفرة وعدمها لان طلبها لهم لغو لا اثر له.
وقوله: (ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) تأكيدا لما ذكر قبله من لغوية الاستغفار لهم، وبيان ان طبيعة المغفرة لا تنالهم البتة سواء سئلت المغفرة في حقهم أو لم تسأل، وسواء كان الاستغفار مرة أو مرات قليلا أو كثيرا.
فذكر السبعين كناية عن الكثرة من غير أن يكون هناك خصوصية للعدد حتى يكون الواحد والاثنان من الاستغفار حتى يبلغ السبعين غير مؤثر في حقهم فإذا جاوز السبعين أثر اثره، ولذلك علله بقوله: (ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله) أي ان
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»
الفهرست