تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٣٩
وقوله: (ورضوان من الله أكبر) أي رضى الله سبحانه عنهم أكبر من ذلك كله - على ما يفيده السياق - وقد نكر (رضوان) إيماء إلى أنه لا يقدر بقدر ولا يحيط به وهم بشر أو لان رضوانا ما منه ولو كان يسيرا أكبر من ذلك كله لا لان ذلك كله مما يتفرع على رضاه تعالى ويترشح منه وإن كان كذلك في نفسه - بل لان حقيقة العبودية التي يندب إليها كتاب الله هي عبوديته تعالى حبا له:
لا طمعا في جنة، أو خوفا من نار، وأعظم السعادة والفوز عند المحب ان يستجلب رضى محبوبه دون ان يسعى لارضاء نفسه.
كأنه للإشارة إلى ذلك ختم الآية بقوله: (ذلك هو الفوز العظيم) وتكون في الجملة دلالة على معنى الحصر أي أن هذا الرضوان هو حقيقة كل فوز عظيم حتى الفوز العظيم بالجنة الخالدة إذ لولا شئ من حقيقة الرضى الإلهي في نعيم الجنة كان نقمة لا نعمة.
قوله تعالى: (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير) جهاد القوم ومجاهدتهم بذل غاية الجهد في مقاومتهم وهو يكون باللسان وباليد حتى ينتهى إلى القتال، وشاع استعماله في الكتاب في القتال وإن كان ربما استعمل في غيره كما في قوله: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا) الآية.
واستعماله في قتال الكفار على رسله لكونهم متجاهرين بالخلاف والشقاق، وأما المنافقون فهم الذين لا يتظاهرون بكفر ولا يتجاهرون بخلاف، وإنما يبطنون الكفر ويقلبون الأمور كيدا ومكرا ولا معنى للجهاد معهم بمعنى قتالهم ومحاربتهم؟ ولذلك ربما يسبق إلى الذهن أن المراد بجهادهم مطلق ما تقتضيه المصلحة من بذل غاية الجهد في مقاومتهم فإن اقتضت المصلحة هجروا ولم يخالطوا ولم يعاشروا، وان اقتضت وعظوا باللسان، وان اقتضت أخرجوا وشردوا إلى غير الأرض أو قتلوا إذا اخذ عليهم الردة، أو غير ذلك.
وربما شهد لهذا المعنى أعني كون المراد بالجهاد في الآية مطلق بذل الجهد تعقيب قوله: (جاهد الكفار والمنافقين) بقوله: (واغلظ عليهم) أي شدد عليهم وعاملهم بالخشونة.
وأما قوله: (و مأواهم جهنم وبئس المصير) فهو عطف على ما قبله من الامر، ولعل الذي هون الامر في عطف الاخبار على الانشاء هو كون الجملة السابقة في معنى قولنا: (ان هؤلاء الكفار والمنافقين مستوجبون للجهاد). والله أعلم.
قوله تعالى: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم
(٣٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 334 335 336 337 338 339 340 341 342 343 344 ... » »»
الفهرست