تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٢٨
ورابعا: أن صدر الآية يذكر أنهم يحذرون أن تنزل سورة وذيلها يقول: إن الله مخرج ما تحذرون فهو في معنى أن يقال: إن الله مخرج سورة أو مخرج تنزيل سورة.
وقد يجاب عن الاشكال الأول بأن قوله: يحذر المنافقون (الخ) إنشاء في صورة خبر أي ليحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة (الخ).
وهو ضعيف إذ لا دليل عليه أصلا على أن ذيل الآية لا يلائم ذلك إذ لا معنى لقولنا: ليحذر المنافقون كذا قل استهزؤا إن الله مخرج ما تحذرون أي ما يجب عليكم حذره. وهو ظاهر.
وقد يجاب عنه بأنهم إنما كانوا يظهرون الحذر استهزاء لا جدا وحقيقة. وفيه أن لازمه أنهم كانوا على ثقة بأن ما في قلوبهم من الانباء وما أبطنوه من الكفر والفسوق لا سبيل للظهور والانجلاء إليه، ولا طريق لاحد إلى الاطلاع عليه، ويكذبه آيات كثيرة في القرآن الكريم تقص ما عقدوا عليه القلوب من الكفر والفسوق وهموا به من الخدعة والمكيدة كالآيات من سورة البقرة وسورة المنافقين وغيرهما، وإذ كانوا شاهدوا ظهور أنبائهم ومطويات قلوبهم عيانا مرة بعد مرة فلا معنى لثقتهم بأنها لا تنكشف أصلا وإظهارهم الحذر استهزاء لا جدا، وقد قال تعالى: (يحسبون كل صيحه عليهم) المنافقون: 4.
وقد يجاب عنه بأن أكثر المنافقين كانوا على شك من صدق الدعوة النبوية من غير أن يستيقنوا كذبه، وهؤلاء كانوا يجوزون تنزيل سورة تنبؤهم بما في قلوبهم احتمالا عقليا، وهذا الحذر والاشفاق كما ذكروه إثر طبيعي للشك والارتياب فلو كانوا موقنين بكذب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لما خطر لهم هذا الخوف على بال، ولو كانوا موقنين بصدقه لما كان هناك محل لهذا الخوف والحذر لا قلوبهم مطمئنة بالايمان.
وهذا الجواب - وهو الذي اعتمد عليه جمهور المفسرين - وإن كان بظاهره لا يخلو عن وجه غير أن فيه أنه إنما يحسم مادة الاشكال لو كان الواقع من التعبير في الآية نحوا من قولنا: يخاف المنافقون إن تنزل عليهم سورة، ولذا قرروا الجواب بأن الخوف يناسب الشك دون اليقين.
لكن الآية تعبر عن شأنهم بالحذر، ويخبر أنهم يحذرون أن تنزل عليهم سورة
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»
الفهرست