تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٣٢
المصدر بإنما يدل على أنه كان فعلا صادرا منهم له نوع تعلق بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان أمرا مرئيا يسئ الظن بهم، ولم يكن في وسعهم أن يعتذروا منه بعد ما تبين وانكشف للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بأنه إنما كان منهم خوضا ولعبا لم يريدوا به غير ذلك.
والخوض واللعب الذين اعتذروا بهما من الأعمال السيئة التي لا يعترف بهما الناس في حالهم العادي وخاصة المؤمنون وسائر المتظاهرين بالايمان وخاصة إذا كان ذلك في أمر يرجع إلى الله ورسوله غير أنهم لم يجدوا وصفا يصفون به فعلهم لاخراجه عن ظاهر ما يدل عليه، دون أن يعنونوه بأنه كان خوضا ولعبا.
ولذا أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم أن يوبخهم على ما اعتذروا به فقال: (قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون) ثم فسر عملهم في آخر الآيات بقوله: (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا) الآية.
ويتحصل من مجموع هذه القرائن أن المنافقين كانوا أرادوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسوء كالفتك به ومفاجأته بما يهلكه وأقدموا على ما قصدوه وتكلموا عند ذلك بشئ من الكلام الردى لكنهم أخطأوا في ما أوقعوه عليه واندفع الشر عنه، ولم يصب السهم هدفه فلما خاب سعيهم وبان أمرهم سألهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك وما تصدوه به اعتذروا بأنهم كانوا يخوضون ويلعبون فوبخهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: (أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون) ورد الله سبحانه إليهم عذرهم الذي اعتذروا به وبين حقيقة ما قصدوا بذلك.
وبالجملة معنى الآية: وأقسم لئن سألتهم عن فعلهم الذي شوهد منهم: ما الذي أرادوا به؟ وكان ظاهره أنهم هموا بأمر فيك ليقولن: لم يكن قصد سوء ولا بالذي ظننت فأسأت الظن بنا، وإنما كنا نخوض ونلعب خوض الركب في الطريق لا على سبيل الجد ولكن لعبا.
وهذا اعتذار منهم بالاستهزاء بالله وآياته ورسوله فإنهم يعترفون بأنهم فعلوا فيك ما فعلوه خوضا ولعبا فقد استهزءوا بالله ورسوله فقل: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون أي أتعتذرون عن سيئ فعلكم بسيئة أخرى هي الاستهزاء بالله وآياته ورسوله، وهو كفر؟
وليس من البعيد أن يكون الغرض الأصيل بيان كونه استهزاء بالرسول، وإنما
(٣٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 327 328 329 330 331 332 333 334 335 336 337 ... » »»
الفهرست