تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٣٢٩
(الخ) والحذر فيه شئ من معنى الاحتراز والاتقاء، ولا يتم ذلك إلا بالتوسل إلى أسباب ووسائل تحفظ الحاذر مما يحذره ويحترز منه، وتصونه من شر مقبل إليه من ناحية ما يخافه.
ولو كان مجرد شك من غير مشاهدة اثر من الآثار وإصابة شئ مما يتقونه إياهم لما صح الاحتراز والاتقاء، فحذرهم يشهد أنهم كانوا يخافون ان يقع بهم هذه المرة نظير ما وقع بهم قبل ذلك من جهة آيات البقرة وغيرها، فهذا هو الوجه لحذرهم دون الشك والارتياب فالمعتمد في الجواب ما قدمناه.
وقد يجاب عن الاشكال الثاني بأن (على) في قوله: (أن تنزل عليهم) بمعنى: في كما في قوله: (واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان) البقرة:
102، والمعنى: يحذر المنافقون ان تنزل فيهم أي في شأنهم وبيان حالهم سورة تكشف عما في ضمائرهم.
وفيه إنه لا بأس به لولا قوله بعده: (تنبؤهم بما في قلوبهم) على ما سنوضحه.
وقد يجاب عنه بأن الضمير في قوله: (عليهم) راجع إلى المؤمنين دون المنافقين و المعنى: يحذر المنافقون ان تنزل على المؤمنين سورة تنبؤ المنافقين بما في قلوب المنافقين أو تنبؤ المؤمنين بما في قلوب المنافقين.
ورد عليه بأنه يستلزم تفكيك الضمائر. ودفع بأن تفكيك الضمائر غير ممنوع ولا أنه مناف للبلاغة إلا إذا كان المعنى معه غير مفهوم، وربما أيد بعضهم هذا الجواب بأنه ليس ههنا تفكيك للضمائر فإنه قد سبق ان المنافقين يحلفون للمؤمنين ليرضوهم ثم وبخهم الله بأن الله ورسوله أحق ان يرضوه ان كانوا مؤمنين فقد بين ههنا بطريقة الاستئناف أنهم يحذرون ان تنزل على المؤمنين سورة تنبئهم بما في قلوبهم فتبطل ثقتهم بهم فأعيد الضمير إلى المؤمنين لان سياق الكلام فيهم فلا اثر من التفكيك.
وفيه إن من الواضح الذي لا يرتاب فيه أن موضوع الكلام في هذه الآيات وآيات كثيرة مما يتصل بها من قبل ومن بعد، هم المنافقون، والسياق سياق الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لا غيره، وإنما كان خطاب المؤمنين في قوله: (يحلفون بالله لكم ليرضوكم خطابا التفاتيا للتنبيه على غرض خاص أومأنا إليه ثم عاد الكلام إلى سياقها الأصلي
(٣٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 334 ... » »»
الفهرست