تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٠٥
الطرفين ثم إضافة الهجرة إلى ذلك عند ما أعيد ثانيا، وقد ذكر تعالى السقاية والعمارة في الجانب الاخر ولم يزد على ذلك شيئا لا اولا ولا ثانيا فما هذه القيود بلاغية في قوله الفصل.
وهذا كله يؤيد ما ورد في سبب نزول الآية أن الآيات نزلت في العباس وشيبة وعلي عليه السلام حين تفاخروا فذكر العباس سقاية الحاج، وشيبة عمارة المسجد الحرام، وعلى الايمان والجهاد في سبيل الله فنزلت الآيات وستجئ الرواية في البحث الروائي المتعلق بالآيات.
وكيف كان فالآية وما يتلوها من الآيات تبين أن الزنة والقيمة إنما هو للعمل إذا كان حيا بولوج روح الايمان فيه وأما الجسد الخالي الذي لا روح فيه ولا حياة له فلا وزن له في ميزان الدين ولا قيمة له في سوق الحقائق فليس للمؤمنين ان يعتبروا مجرد هياكل الأعمال، ويجعلوها ملاكات للفضل وأسبابا للقرب منه تعالى إلا بعد اعتبار حياتها بالايمان والخلوص.
ومن هذه الجهة ترتبط الآية: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام) وما بعدها من الآيات بالآيتين اللتين قبلها: (ما كان للمشركين ان يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر) إلى آخر الآيتين.
وبذلك كله يظهر أولا ان قوله: (والله لا يهدى القوم الظالمين) جملة حالية تبين وجه الانكار لحكمهم بالمساواة في قوله: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن) الآية.
وثانيا: ان المراد بالظلم هو ما كانوا عليه من الشرك في حال السقاية والعمارة لا حكمهم بالمساواة بين السقاية والعمارة وبين الجهاد عن ايمان.
وثالثا: ان المراد نفى ان ينفعهم العمل ويهديهم إلى السعادة التي هي عظم الدرجة والفوز والرحمة والرضوان والجنة الخالدة.
قوله تعالى: (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم) إلى آخر الآية بيان لحق الحكم الذي عند الله في المسألة بعد إنكار المساواة، وهو ان الذي آمن وهاجر وجاهد في سبيل الله ما استطاع ببذل ما عنده من مال ونفس، أعظم درجة عند الله وإنما عبر في صورة الجمع - الذين آمنوا الخ - إشارة إلى أن ملاك الفصل هو الوصف دون الشخص.
وما تقدم من دلالة الكلام على أن الأعمال من غير إيمان بالله لا فضل لها ولا درجة
(٢٠٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست