تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٠١
فكل ذلك من الشهادة والملاك واحد.
فمعنى الآية: لا يحق ولا يجوز للمشركين أن يرموا ما استرم من المسجد الحرام كسائر مساجد الله والحال أنهم معترفون بالكفر بدلالة قولهم أو فعلهم.
قوله تعالى: (أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون) في مقام التعليل لما أفيد من الحكم في قوله: (ما كان) الخ ولذلك جئ به بالفصل دون الوصل.
والمراد بالجملة الأولى بيان بطلان الأثر وارتفاعه عن أعمالهم، والعمل إنما يؤتى به للتوسل به إلى أثر مطلوب، وإذ كانت أعمالهم حابطة لا أثر لها لم يكن ما يجوز لهم الاتيان بها، والأعمال العبادية كعمارة مساجد الله إنما تقصد لما يطمع فيه و يرجى من أثرها وهو السعادة والجنة، والعمل الحابط لا يتعقب سعادة ولا جنة البتة.
والمراد بالجملة الثانية بيان ظرفهم الذي يستقرون فيه لولا السعادة و الجنة وهو النار فكأنه قيل: أولئك لا يهديهم أعمالهم العبادية إلى الجنة بل هم في النار الخالدة، ولا تفيد لهم سعادة بل هم في الشقاوة المؤبدة.
وفي الآية دلالة على أصلين لطيفين من أصول التشريع:
أحدهما: أن تشريع الجواز بالمعنى الأعم الشامل للواجبات والمستحبات والمباحات يتوقف على أثر في الفعل ينتفع به فاعله فلا لغو مشروعا في الدين، وهذا أصل يؤيده العقل، وهو منطبق على الناموس الجاري في الكون: أن لا فعل إلا لنفع عائد إلى فاعله.
و ثانيهما: ان الجواز في جميع موارده مسبوق بحق مجعول من الله لفاعله في أن يأتي بالفعل من غير مانع.
قوله تعالى: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) الآية السياق كاشف عن أن الحصر من قبيل قصر الافراد كأن متوهما يتوهم أن للمشركين والمؤمنين جميعا أن يعمروا مساجد الله فأفرد وقصر ذلك في المؤمنين، ولازم ذلك أن يكون المراد بقوله: (يعمر) إنشاء الحق والجواز في صورة الاخبار دون الاخبار، وهو ظاهر.
وقد اشترط سبحانه في ثبوت حق العمارة وجوازها أن يتصف العامر بالايمان بالله واليوم الآخر قبال ما نفى عن المشركين ان يكون لهم ذلك ولم يقنع بالايمان بالله
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»
الفهرست