تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٠٢
وحده لان المشركين يذعنون به تعالى بل شفع ذلك بالايمان باليوم الاخر لان المشركين ما كانوا مؤمنين به، وبذلك يختص حق العمارة وجوازها بأهل الدين السماوي من المؤمنين.
ولم يقنع بذلك أيضا بل ألحق به قوله: (وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله) لان المقام مقام بيان من ينتفع بعمله فيحق له بذلك ان يقترفه، ومن كان تاركا للفروع المشروعة في الدين وخاصة الركنين: الصلاة والزكاة فهو كافر بآيات الله لا ينفعه مجرد الايمان بالله واليوم الآخر وإن كان مسلما، إذا لم ينكرها بلسانه، ولو أنكرها بلسانه أيضا كان كافرا غير مسلم.
وقد خص من بينها الصلاة والزكاة بالذكر لكونهما الركنين الذين لا غنى عنهما في حال من الأحوال.
وبما ذكرنا من اقتضاء المقام يظهر ان المراد بقوله: (ولم يخش إلا الله) الخشية الدينية وهى العبادة دون الخشية الغريزية التي لا يسلم منها إلا المقربون من أولياء الله كالأنبياء قال تعال: (الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله) الأحزاب: 39.
والوجه في التكنية عن العبادة بالخشية ان الأعرف عند الانسان من علل اتخاذ الاله للعبادة الخوف من سخطه أو الرجاء لرحمته، ورجاء الرحمة أيضا يعود بوجه إلى الخوف من انقطاعها وهو السخط فمن عبد الله سبحانه أو عبد شيئا من الأصنام فقد دعاه إلى ذلك اما الخوف من شمول سخطه أو الخوف من انقطاع نعمته ورحمته فالعبادة ممثله للخوف والخشية مصداق لها لتمثيلها إياها، وبينهما حالة الاستلزام، ولذلك كنى بها عنها، فالمعنى - والله أعلم - ولم يعبد أحدا من دون الله من الالهة.
وقوله: (فعسى أولئك ان يكونوا من المهتدين) أي أولئك الذين آمنوا بالله واليوم الآخر ولم يعبدوا أحدا غير الله سبحانه يرجى في حقهم ان يكونوا من المهتدين، وهذا الرجاء قائم بأنفسهم أو بأنفس المخاطبين بالآية، وأما هو تعالى فمن المستحيل ان يقوم به الرجاء الذي لا يتم إلا مع الجهل بتحقق الامر المرجو الحصول.
وانما أخذ الاهتداء مرجو الحصول لا محقق الوقوع مع أن من آمن بالله واليوم الآخر حقيقة وحققه أعماله العبادية فقد اهتدى حقيقة لان حصول الاهتداء مرة أو مرات لا يستوجب كون العامل من المهتدين، واستقرار صفة الاهتداء ولزومها له،
(٢٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 207 ... » »»
الفهرست