تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ٢٠٦
لصاحبها عند الله، قرينة على أن ليس المراد بالقياس الذي يدل عليه أفعل التفضيل في قوله: (أولئك أعظم درجة) الخ هو ان بين الفريقين اشتراكا في الدرجات غير أن درجة من جاهد عن إيمان أعظم ممن سقى وعمر.
بل المراد بيان ان النسبة بينهما نسبة الأفضل إلى من لا فضل له كالمقايسة المأخوذة بين الأكثر والأقل فإنها تستدعى وجود حد متوسط بينهما يقاسان إليه فهناك ثلاثة أمور أمر متوسط يؤخذ مقياسا معدلا وآخر يكون أكثر منه، وآخر يكون أقل منه فإذا قيس الأكثر من الأقل كان الأكثر مقيسا إلى ما لا كثرة فيه أصلا.
فقوله: (أولئك أعظم درجة عند الله) أي بالقياس إلى هؤلاء الذين لا درجة لهم أصلا، وهذا نوع من الكناية عن أن لا نسبة حقيقة بين الفريقين لان أحدهما ذو قدم رفيع فيما لا قدم للاخر فيه أصلا.
ويدل على ذلك أيضا قوله: (وأولئك هم الفائزون) بما يدل على انحصار الفوز فيهم وثبوتها لهم على نهج الاستقرار.
قوله تعالى: (يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات) إلى آخر الآيتين ظاهر السياق أن ما يعده من الفضل في حقهم بيان وتفصيل لما ذكر في الآية السابقة من فوزهم جئ به بلسان التبشير.
فالمعنى (يبشرهم) أي هؤلاء المؤمنين (ربهم برحمة منه) عظيمة لا يقدر قدرها (ورضوان) كذلك (وجنات لهم فيها) في تلك الجنات (نعيم مقيم) لا يزول ولا ينفد حال كونهم (خالدين فيها أبدا) لا ينقطع خلودهم بأجل ولا أمد.
ثم لما كان المقام مقام التعجب والاستبعاد لكونها بشارة بأمر عظيم لم يعهد في ما نشاهده من أنواع النعيم الذي في الدنيا، رفع الاستبعاد بقوله: (إن الله عنده أجر عظيم).
و سيوافيك الكلام في توضيح معنى رحمته تعالى ورضوانه فيما سيمر من موضع مناسب وقد تقدم بعض الكلام فيهما.
قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء) إلى آخر الآية نهى عن تولى الكفار ولو كانوا آباء وإخوانا فإن الملاك عام، والآية التالية
(٢٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 ... » »»
الفهرست