تفسير الميزان - السيد الطباطبائي - ج ٩ - الصفحة ١٠٢
الله لم يك مغيرا) الخ وظاهره - بمقتضى إشعار السياق - ان المراد به: وذلك بأن الله سميع لدعواتكم عليم بحاجاتكم سمع استغاثتكم وعلم بحاجتكم فاستجاب لكم فعذب أعداءكم الكافرين بآيات الله، ويحتمل أن يكون المراد: ذلك بأن الله سميع لأقوالهم عليم بأفعالهم فعذبهم على ذلك، ويمكن الجمع بين المحتملين قوله تعالى: (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم) الخ كرر التنظير السابق لمشابهة الفرض مع ما تقدم فقوله: (كدأب آل فرعون) الخ السابق تنظير لقوله: (ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد) كما أن قوله: (كدأب آل فرعون - إلى قوله - وكل كانوا ظالمين) ثانيا تنظير لقوله: (ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة) الخ.
غير أن التنظير الثاني يشتمل على نوح من الالتفات في قوله: (فأهلكناهم بذنوبهم) وقد وقع بحذائه في التنظير الأول: (فأخذهم الله بذنوبهم) من غير التفات ولعل الوجه فيه ان التنظير الثاني لما كان مسبوقا بإفادة ان الله هو المفيض بالنعم على عباده ولا يغيرها إلا عن تغييرهم ما بأنفسهم، وهذا شأن الرب بالنسبة إلى عبيده اقتضى ذلك أن يعد هؤلاء عبيدا غير جارين على صراط عبودية ربهم و لذلك غير بعض سياق التنظير فقال في الثاني: (كذبوا بآيات ربهم) وقد كان بحذائه في الأول قوله: (كفروا بآيات الله) ولذلك التفت ههنا من الغيبة إلى التكلم مع الغير فقال: (فأهلكناهم بذنوبهم) للدلالة على أنه سبحانه هو ربهم وهو مهلكهم، وقد أخذ المتكلم مع الغير للدلالة على عظمة الشأن وجلالة المقام، وان له وسائط يعملون بأمره ويجرون بمشيته.
وقوله: (وأغرقنا آل فرعون) أظهر المفعول ولم يقل: وأغرقناهم ليؤمن الالتباس برجوع الضمير إلى آل فرعون والذين من قبلهم جميعا.
وقوله تعالى: (وكل كانوا ظالمين) أي جميع هؤلاء الذين أخذهم العذاب الإلهي من كفار قريش وآل فرعون والذين من قبلهم كانوا ظالمين في جنب الله.
وفيه بيان ان الله سبحانه لا يأخذ بعقابه الشديد أحدا، ولا يبدل نعمته على أحد نقمة إلا إذا كان ظالما ظلما يبدل نعمة الله كفرا بآياته فهو لا يعذب بعذابه إلا مستحقه.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 107 ... » »»
الفهرست