تفسير كنز الدقائق - الميرزا محمد المشهدي - ج ١ - الصفحة ٤٠
وفي كتاب الإهليلجة، قال الصادق (عليه السلام): إن الرحمة وما يحدث لنا، منها شفقة، ومنها جود، وإن رحمة الله ثوابه لخلقه، والرحمة من العباد شيئان، أحدهما يحدث في القلب الرأفة والرقة لما نرى بالمرحوم من الضرر والحاجة وضروب البلاء، والآخر ما بعد الرقة واللطف على المرحوم، والرحمة منا ما نزل به، وقد يقول القائل:
أنظر إلى رحمة فلان، وإنما يريد الفعل الذي حدث عن الرقة التي في قلب فلان، و إنما يضاف إلى الله عز وجل من فعل ما حدث عنا من هذه الأشياء، وأما المعنى الذي هو في القلب فهو منفي عن الله كما وصف عن نفسه، فهو رحيم لا رحمة رقة (1).
وفي الرحمن من المبالغة ما ليس في الرحيم، لان زيادة البناء يكون لزيادة المعنى، كما يكون للالحاق والتزيين، ويكون ذلك باعتبار الكمية أو الكيفية.
فعلى الأول يقال: رحمن الدنيا، لأنه يعم المؤمن والكافر، ورحيم الآخرة لأنه يخص المؤمن.
وعلى الثاني رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الدنيا، لان النعم الأخروية كلها جسام، وأما الدنيوية فجليلة وحقيرة. وقدم - والقياس يقتضي الترقي من الأدنى إلى الاعلى - لأنه صار كالعلم من حيث إنه لا يوصف به غيره، أو لان الرحمن لما دل على أصول النعم، ذكر الرحيم ليشمل ما يخرج منها فيكون كالتتمة له، أو للمحافظة على رؤوس الآي، أو لتقدم نعم الدنيا، أو لما ذهب إليه الصوفية من أن الرحمة هي الوجود، فإن اعتبرت من حيث وحدتها وإطلاقها نظرا إلى محتدها، اشتق منه الرحمن، وإن اعتبرت من حيث تخصصها وتخصيصها باعتبار متعلقاتها، اشتق منه الرحيم، ولا شك أن الحيثية الأولى متقدمة على الثانية.
وهو غير منصرف حملا على نظيره في بابه، وإن منع اختصاصه بالله أن يكون له مؤنث على فعلى أو فعلانة.
وفي الحديث: إذا قال العبد " بسم الله الرحمن الرحيم " قال الله عز وجل: بدأ

(1) البحار: ج 3، كتاب التوحيد، ص 196، وصدره (قال: فأخبرني عن قوله: رؤوف رحيم، وعن رضاه ومحبته وغضبه وسخطه، قلت: إن الرحمة وما يحدث لنا...).
(٤٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 ... » »»
الفهرست