تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٦١
قوم نجى كما قيل (وإذ هم نجوى) بتنزيل المصدر منزلة الأوصاف، وحينئذ يكون فيه التوجيهات المذكورة في رجل عدل، ويجوز أن يقال: هو قوم نجى كما قيل هم صديق، لأنه بزنة المصادر كالعميد والوخيد والذميل وجمع أنجية كما قال: * إذا ما القوم كانوا أنجيه * ومعناه: صاروا فرقا لما حزبهم من الشر يتناجون ويتشاورون.
وقوله اضطرب القوم: أي أخذهم القيام والقعود وفارقهم القرار من شدة الخوف حتى يضطربوا اضطراب الأرشية عند الاستقاء. وقوله * وشد فوق بعضهم بالأرويه * جمع الرواء وهو الحبل الذي يروى به: أي يستقى هناك أشار به إلى المكان والزمان معا. والمعنى في ذلك الوقت يوجد الغناء والكفاية عندي ويحصل الصبر والموادة، فاجعل وصايتك بي لا في واعتمد على لا غيري.
(وجارة جساس أبأنا بنابها * كليبا غلت ناب كليب بواؤها) في سورة الفرقان عند قوله تعالى (لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبيرا) أي بالغا أقصى غاياته حيث أملو نيل رتبة المفاوضة الإلهية من غير توسط الرسول والملك كما قالوا (لولا يكلمنا الله) ولم يحسروا على هذا القول العظيم إلا أنهم بلغوا غاية الاستكبار وأقصى العتو، وهذه الجملة في حسن استئنافها غاية وفى أسلوبها قول القائل * وجارة جساس أبأنا بنابها * الخ، وفى فحوى هذا الفعل دليل على التعجب من غير لفظ تعجب، ألا ترى أن المعنى: ما أشد استكبارهم وما أكبر عتوهم وما أغلى نابا بواؤها كليب. جساس: قاتل كليب، وجارته بسوس: امرأة يقال إنها خالته، وقتل للبسوس الناقة التي بهاب هاجت الحرب بين بكر وتغلب، رماها كليب فقتلها، ويقال في المثل: أشأم من البسوس. قيل لما غفر كليب ناقة جارة جساس قال جساس: ليقتلن فحل هو أعظم من ناقتك، فبلغ ذلك كليبا فظن أنه فحله الذي يسمى عليان، فقال: دون عليان خرط القتاد، وكان جساس يعنى بالفحل نفس كليب فقتله، فقوله أبأنا: أي قابلنا من البواء وهو التساوي في القصاص، والبواء مهموز، تقول اقتل هذا بقتيلك فإنه بواء به: أي يعادله، قال الشاعر:
باءت عرار بكحل فيما بيننا * والحق يعرفه أولو الألباب فقوله غلت ناب، الناب: الناقة، ومعناه: ما أغلى نابا بؤاوها كليب. وقد استشهد بالبيت المذكور في سورة الصف عند قوه تعالى (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) وفعل من صيغ التعجب كظرف، قال الزمخشري: قصد في كبر التعجب من غير لفظه، ومعنى التعجب تعظيم الأمر لأنه من الله محال.
(وكأس شربت على لذة * وأخرى تداويت منها بها لكي يعلم الناس أنى امرؤ * أتيت المعيشة من بابها) هو للأعشى. في سورة والصافات عند قوله تعالى (يطاف عليهم بكأس من معين) يقال للزجاجة التي فيها الخمر كأس، وتسمى الخمر نفسها كأسا وهى مؤنثة ولهذا وصفت ببيضاء، وفى البيت بأخرى، وأنشد الأصمعي يوشك من فر من منيته * يوما على علة يوافقها من لم يمت غبطة يمت هرما * للموت كأس والمرء ذائقها يقول: رب كأس شربت لطلب اللذة وكأس شربت للتداوي من خمارها كما قيل:
* ذهب الخمار بلذة الخمر * ليعلم الناس أنني رجل ذو رأى آتي أبواب المعيشة من حيث ينبغي أن تؤتى، وفى معنى البيت قوله:
(٥٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 556 557 558 559 560 561 562 563 564 565 566 ... » »»
الفهرست