تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٣١٣
(يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا " ومبشرا " ونذيرا ") (قرآن كريم) بسم الله الرحمن الرحيم يا من قامت على وحدانيته الشواهد، وفى كل شئ له آية تدل على أنه واحد; تنزه في ذاته عن المثال، وتقدس في صفاته أن يتصوره وهم أو خيال، صل على سيدنا محمد أفصح العرب، وعلى آله وأصحابه أهل البلاغة والأدب، صلاة نبلغ بها أسنى المقاصد، وتكون لنا في اليوم المشهود أعظم شاهد.
وبعد: فغير مستور ولا خاف أن الشواهد الواقعة في الكشاف كثيرا ما يحفظ منها أبيات، لكن لا يعلم ما استشهد بها عليه من الآيات; ويعزب عن البال استحضار تلك الموارد والآيات التي قامت منها عليها شواهد، وطالما رأيت من يحفظ البيت بقلبه وهو يدور عليه; وربما يوجد في البيت ساكن بل يلتقى فيه ساكنان ولم يهتديا إليه; وقد وقفت لبعضهم على شرح شواهد الكتاب إلا أنه لم يذكر فيه آية تدل على ذلك البيت ليعلم الدخول إليه من أي باب، فيحتاج عند كل بيت إلى مراجعة محله من التفسير، ويصرف في استخراجه لتزيل الآية عليه زمن كثير، فوجدت أن تسهيل الطريق إلى البيت أمر يتحم، وجردت الأبيات من محلها ورتبها على حروف المعجم، وكتبت تلك الآية ليعرف منها الشاهد ويعلم، ويدرى ذلك البيت بأدنى تنبيه، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه. على أنه لم يفت الشارح المذكور من الأبيات إلا الثمد والسبد واللمم، أو ما أغفل منها فلم يجر عليه القلم; ثم إني أبسط العذر عند مطالع هذا الكتاب، عن شرح بعض الأبيات بطريق الإسهاب، وضم سابق الشاهد ولا حقه إليه، والميل أحيانا إلى عطف ذلك عليه، فإنه ربما دعت له المناسبة، وكان بين البيت وما يليه من كل جهة أفعال المقاربة وكدت لذكر البيت مع ما يناسبه; تكلمني أحجاره وملاعبه، وكأن لسان حاله ينشد في هذا المقام مخاطبا، ويتمثل ببيت جرير معاتبا:
تمرون الديار ولم تعوجوا * كلامكم على إذا حرام فلم أر بدا من أن أعطف البيت على سابقه لحق الجوار، وأبين معناه مجانب الإكثار، وقد يكتفى بشطر البيت فأولى وجه النظر شطره، أو يقتصر على محل الشاهد من العجز فأشرح صدره، لكمال اتصاله به وائتلافه، ومعلوم أن مقام البسط يباين مقام خلافه، وما تلك قضية منكورة، بل قصة معروفة مشهورة، فلعل الواقف عليه يغضى عما يجده من الخلل، ولا يعد ذلك تطويلا يوجب الملل، والله المسؤول أن يوفقني لصالح القول والعمل ثم من المقرر أن وجه التسمية لا يلزم اطراده، ولكني أردت أن أسمى هذا الكتاب باسم يحسن وقعه وإيراده، فسميته [تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات].
(٣١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « 311 313 314 315 316 317 318 319 320 321 322 ... » »»
الفهرست