تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ، شرح شواهد الكشاف - محب الدين الأفندي - الصفحة ٥٠٧
تخطت ناقتي فيها، وكائن من نائم عن ليل تلك المفازة وغافل عنها غير عارف بها.
ومبرأ من كل غبر حيضة * وفساد مرضعة وداء مغيل وإذا نظرت إلى أسرة وجهه * برقت كبرق العارض المتهلل حملت به في ليلة مزءودة * كرها وعقد نطاقها لم يحلل (فأتت به حوش الفؤاد مبطنا * سهدا إذا ما نام ليل الهوجل) هو لأبى كثير الهذلي من أبيات الحماسة. في سورة المزمل عند قوله تعالى (يا أيها المزمل) غير الحيض: باقيه قبل الطهر. وفساد مرضعة: أراد الفساد الذي من قبلها. والغيلة: هي أن يمس الرجل امرأته وهى ترضع. وروى وداء معضل: وهو الذي لا دواء له. والمعنى: أن الأم حملت به وهى طاهرة ليس بها بقية حيض، ولم ترضعه أمه غيلا وهو أن تسقيه وهى حبلى بعد قوله: في ليلة مزءودة. الزأد: الذعر. والمعنى: حملت الأم، ويروى مزءودة بالنصب حال عن المرأة، ويروى مزءودة بالجر بأن تجعله صفة لليلة كأنه لما وقع الزأد والذعر فيها جعله لها كما قيل: جحر ضب خرب. قوله: وعقد نطاقها لم يحلل. النطاق: ما تنتطق به المرأة وتشد به وسطها للعمل.
وحكى عن أم تأبط شرا أنها قالت فيه: إنه والله لشيطان ما رأيته قط ضاحكا، ولا هم بشئ مذ كان صبيان إلا فعله، ولقد حملت به في ليلة ظلماء وإن نطاقي لمشدود. قوله حوش الفؤاد: أي وحشيه. لحدته وتوقده، ورجل حوشي: لا يخالط الناس. مبطنا: خميص البطن. والهوجل: الثقيل الكسلان ذو الغفلة. يقول: أتت الأم بهذا الولد متيقظا حذرا حديد الفؤاد ذكيا ساهرا إذا نام ليل البليد. روى عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
" كنت قاعدة أغزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخصف نعلا، فجعل لا يتحدر من عرقه شئ إلا يولد في عيني نورا، فبقيت أنظر إليه، فالتفت إلى وقال: ما تنظرين؟ فقلت: ما يتحدر من عرقك شئ إلا يولد في عيني نورا، أما والله لو رآك أبو كثير الهذلي لعلم أنك أحق بشعره من غيرك. فقال: وما قال أبو كثير؟
قلت له: * ومبرأ من كل غبر حيضة * وقوله: * وإذا نظرت إلى أسرة وجهه * البيتين، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان في يده ثم قام فقبل ما بين عيني وقال: جزاك الله خيرا، ما سررت كسروري بكلامك " (أوردها سعد وسعد مشتمل * ما هكذا تورد يا سعد الإبل) في سورة المزمل عند قوله تعالى (يا أيها المزمل) أي المتزمل بثيابه، من تزمل: إذا التف. هذا سعد بن زيد مناة أخو مالك بن زيد مناة الذي يقال له: آبل من مالك، لأنه كان آبل أهل زمانه، ثم إنه خرج وبنى بامرأته فأورد الإبل أخوه سعد ولم يحسن القيام عليها والرفق بها، فقال مالك: أوردها سعد الخ. أي أتى بها الورد، والحال أنه مشتمل ليس متشمرا فذمه بالاشتمال وجعل ذلك خلاف الجلد والكيس، وهذا البيت صار مثلا فيمن يشتغل بالأمر لا على وجه تيقظ وتشمر، فلذا ذم الشاعر سعدا بالاشتمال.
(أبعد الذي بالنعف نعف كويكب * رهينة رمس ذي تراب وجندل) أذكر بالبقيا على من أصابني * وبقياي أنى جاهد غير مؤتلى في سورة المدثر عند قوله تعالى (كل نفس بها كسبت رهينة) ليست بتأنيث رهين في قوله (كل امرئ بما كسب رهين) لتأنيث النفس، لأنه لو قصدت الصفة لقيل رهين لأن فعيلا بمعنى مفعول يستوى فيه المذكر والمؤنث، وإنما هي اسم بمعنى الرهن كالشتمية بمعنى الشتم كأنه قيل: كل نفس بما كسبت رهن، ومنه بيت
(٥٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 502 503 504 505 506 507 508 509 510 511 512 ... » »»
الفهرست