الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٤
إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون. وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون، أفلا يعقلون. قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون، فإنهم لا يكذبونك،
____________________
وسمي باسمها ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من مات فقد قامت قيامته " أو جعل مجئ الساعة بعد الموت لسرعته كالواقع بغير فترة (بغتة) فجأة وانتصابها على الحال بمعنى باغتة أو على المصدر كأنه قيل بغتتهم الساعة بغتة (فرطنا فيها) الضمير للحياة الدنيا جئ بضميرها وإن لم يجر لها ذكر لكونها معلومة، أو للساعة على معنى قصرنا في شأنها وفي الايمان بها كما تقول: فرطت في فلان، ومنه فرطت في جنب الله (يحملون أوزارهم على ظهورهم) كقوله: فبما كسبت أيديكم لأنه اعتيد حمل الأثقال على الظهور كما ألف الكسب بالأيدي (ساء ما يزرون) بئس شيئا يزرون وزرهم كقوله: ساء مثلا القوم جعل أعمال الدنيا لعبا ولهوا واشتغالا بما لا يعنى ولا يعقب منفعة كما تعقب أعمال الآخرة المنافع العظيمة، وقوله (للذين يتقون) دليل على أن ما عدا أعمال المتقين لعب ولهو. وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما ولدار الآخرة. وقرئ تعقلون بالتاء والياء. قد في (قد نعلم) بمعنى ربما الذي يجئ لزيادة الفعل وكثرته كقوله: أخا ثقة لا تهلك الخمر ماله * ولكنه قد يهلك المال نائله والهاء في (إنه) ضمير الشأن (ليحزنك) قرئ بفتح الياء وضمها، و (الذي يقولون) هو قولهم ساحر كذاب (لا يكذبونك) قرئ بالتشديد والتخفيف، من كذبه إذا جعله كاذبا في زعمه، وأكذبه إذا وجده كاذبا.
والمعنى: أن تكذيبك أمر راجع إلى الله لأنك رسوله المصدق بالمعجزات، فهم لا يكذبونك في الحقيقة وإنما يكذبون الله بجحود آياته، فاله عن حزنك لنفسك وإن هم كذبوك وأنت صادق وليشغلك عن ذلك ما هو أهم وهو استعظامك بجحود آيات الله تعالى والاستهانة بكتابه، ونحوه قول السيد لغلامه إذا أهانه بعض الناس: إنهم لم يهينوك وإنما أهانوني، وفي هذه الطريقة قوله تعالى - إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله - وقيل فإنهم لا يكذبونك بقلوبهم ولكنهم يجحدون بألسنتهم، وقيل فإنهم لا يكذبونك لأنك عندهم الصادق الموسوم بالصدق ولكنهم
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»