الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٥
وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثم إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون. وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة، حتى إذا جاء أحدكم الموت توفته رسلنا وهم لا يفرطون. ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين. قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية
____________________
لأن معنى إلا يعلمها. ومعنى - إلا في كتاب - واحد. والكتاب المبين: علم الله تعالى أو اللوح. وقرئ - ولا حبة ولا رطب ولا يابس - بالرفع. وفيه وجهان: أن يكون عطفا على محل: من ورقة، وأن يكون رفعا على الابتداء وخبره - إلا في كتاب مبين - كقولك: لا رجل منهم ولا امرأة إلا في الدار (وهو الذي يتوفاكم بالليل) الخطاب للكفرة: أي أنتم منسدحون الليل كله كالجيف (ويعلم ما جرحتم بالنهار) ما كسبتم من الآثام فيه (ثم يبعثكم فيه) ثم يبعثكم من القبور في شأن ذلك الذي قطعتم به أعماركم من النوم بالليل وكسب الآثام بالنهار ومن أجله كقولك: فيم دعوتني؟ فتقول في أمر كذا (ليقضى أجل مسمى) وهو الاجل الذي سماه وضربه لبعث الموتى وجزائهم على أعمالهم (ثم إليه مرجعكم) وهو المرجع إلى موقف الحساب (ثم ينبئكم بما كنتم تعملون) في ليلكم ونهاركم (حفظة) ملائكة حافظين لأعمالكم وهو الكرام الكاتبون. وعن أبي حاتم السجستاني أنه كان يكتب عن الأصمعي كل شئ يلفظ به من فوائد العلم حتى قال فيه: أنت شبيه الحفظة تكتب لغط اللفظة، فقال أبو حاتم: وهذا أيضا مما يكتب. فإن قلت: الله تعالى غني بعلمه عن كتبة الملائكة فما فائدتها؟ قلت: فيها لطف للعباد لأنهم إذا علموا أن الله رقيب عليهم والملائكة الذين هم أشرف خلقه موكلون بهم يحفظون عليهم أعمالهم ويكتبونها في صحائف تعرض على رؤوس الاشهاد في مواقف القيامة كان ذلك أزجر لهم عن القبيح وأبعد من السوء (توفته رسلنا) أي استوفت روحه وهم ملك الموت وأعوانه. وعن مجاهد: جعلت الأرض له مثل الطست يتناول من يتناوله، وما من أهل بيت إلا ويطوف عليهم في كل يوم مرتين. وقرئ " توفاه "، ويجوز أن يكون ماضيا ومضارعا بمعنى تتوفاه و (يفرطون) بالتشديد والتخفيف فالتفريط التواني والتأخير عن الجد والإفراط مجاوزة الحد: أي لا ينقصون مما أمروا به أو لا يزيدون فيه (ثم ردوا إلى الله) أي إلى حكمه وجزائه (مولاهم) مالكهم الذي يلي عليهم أمورهم (الحق) العدل الذي لا يحكم إلا بالحق (ألا له الحكم) يومئذ لا حكم فيه لغيره (وهو أسرع الحاسبين) لا يشغله حساب عن حساب، وقرئ " الحق " بالنصب على المدح كقولك الحمد لله الحق (ظلمات البر والبحر) مجاز عن مخاوفهما وأهوالهما، يقال لليوم الشديد يوم مظلم ويوم ذو كواكب: أي
(٢٥)
مفاتيح البحث: الموت (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 ... » »»