الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٢٦
لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين. قل الله ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون. قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذابا من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا ويذيق بعضكم بأس بعض، انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون. وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل. لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون. وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين.
____________________
اشتدت ظلمته حتى عاد كالليل، ويجوز أن يراد ما يشفون عليه من الخسف في البر والغرق في البحر بذنوبهم، فإذا دعوا وتضرعوا كشف الله عنهم الخسف والغرق فنجوا من ظلماتها (لئن أنجيتنا) على إرادة القول (من هذه) من هذه الظلمة الشديدة. وقرئ ينجيكم بالتشديد والتخفيف وأنجانا وخفية بالضم والكسر (هو القادر) هو الذي عرفتموه قادرا وهو الكامل القدرة (عذابا من فوقكم) كما أمطر على قوم لوط وعلى أصحاب الفيل الحجارة وأرسل على قوم نوح الطوفان (أو من تحت أرجلكم) كما أغرق فرعون وخسف بقارون، وقيل من فوقكم من قبل أكابركم وسلاطينكم، ومن تحت أرجلكم من قبل سفلتكم وعبيدكم، وقيل هو حبس المطر والنبات (أو يلبسكم شيعا) أو يخلطكم فرقا مختلفين على أهواء شتى كل فرقة منكم مشايعة لإمام، ومعنى خلطهم: أن ينشب القتال بينهم فيختلطوا ويشتبكوا في ملاحم القتال من قوله:
وكتيبة لبستها بكتيبة * حتى إذا التبست نفضت لها يدي وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " سألت الله ألا يبعث على أمتي عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم فأعطاني ذلك، وسألته أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعني، وأخبرني جبريل أن فناء أمتي بالسيف " وعن جابر بن عبد الله " لما نزل من فوقكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعوذ بوجهك، فلما نزل أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعا قال: هاتان أهون " ومعنى الآية الوعيد بأحد أصناف العذاب المعدودة. والضمير في قوله (وكذب به) راجع إلى العذاب (وهو الحق) أي لا بد أن ينزل بهم (قل لست عليكم بوكيل) بحفيظ وكل إلى أمركم أمنعكم من التكذيب إجبارا إنما أنا منذر (لكل نبأ) لكل شئ ينبأ به: يعني إنباءهم بأنهم يعذبون وإيعادهم به (مستقر) وقت استقرار وحصول لا بد منه، وقيل الضمير في به للقرآن (يخوضون في آياتنا) في الاستهزاء بها والطعن فيها، وكانت قريش في أنديتها يفعلون ذلك (فأعرض عنهم) فلا تجالسهم وقم عنهم (حتى يخوضوا في حديث غيره) فلا بأس أن تجالسهم حينئذ (وإما ينسينك الشيطان) وإن شغلك بوسوسته حتى تنسى النهي عن مجالستهم (فلا تقعد) معهم (بعد الذكرى) بعد أن تذكر النهي. وقرئ ينسينك بالتشديد، ويجوز أن يراد وإن
(٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 ... » »»