الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣١
قال هذا ربي، فلما أفل قال لا أحب الآفلين. فلما رأى القمر بازغا قال هذا ربي، فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي لأكونن من القوم الضالين. فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي هذا أكبر، فلما أفلت قال يا قوم إني برئ مما تشركون. إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين.
____________________
على الخطأ في دينهم وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال، ويعرفهم أن النظر الصحيح مؤد إلى أن شيئا منها لا يصح أن يكون إلها لقيام دليل الحدوث فيها، وأن وراءها محدثا أحدثها وصانعا صنعها ومدبرا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها (هذا ربي) قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل، فيحكي قوله كما هو غير متعصب لمذهبه لأن ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشغب، ثم يكر عليه بعد حكايته فيبطله بالحجة (لا أحب الآفلين) لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين عن حال إلى حال، المنتقلين من مكان إلى مكان، المحتجبين بستر، فإن ذلك من صفات الاجرام (بازغا) مبتدئا في الطلوع (لئن لم يهدني ربي) تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها وهو نظير الكواكب في الأفول فهو ضال، وأن الهداية إلى الحق بتوفيق الله ولطفه (هذا أكبر) من باب استعمال النصفة أيضا مع خصومه (إني برئ مما تشركون) من الاجرام التي تجعلونها شركاء لخالقها (إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض) أي للذي دلت هذه المحدثات عليه وعلى أنه مبتدأها ومبتدعها، وقيل هذا كان نظره واستدلاله في نفسه فحكاه الله والأول أظهر لقوله - لئن لم يهدني ربي - وقوله - يا قوم إني
(٣١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 ... » »»