الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ٣٢
وحاجه قومه، قال أتحاجوني في الله وقد هدان؟ ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربي وسع ربي كل شئ علما، أفلا تتذكرون؟ وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانا
____________________
برئ مما تشركون - فإن قلت: لم احتج عليهم بالأفول دون البزوغ وكلاهما انتقال من حال إلى حال؟ قلت:
الاحتجاج بالأفول أظهر لأنه انتقال مع خفاء واحتجاب. فإن قلت: ما وجه التذكير في قوله - هذا ربي - والإشارة للشمس؟ قلت: جعل المبتدأ مثل الخبر لكونهما عبارة عن شئ واحد كقولهم ما جاءت حاجتك، ومن كانت أمك - ولم تكن فتنتهم إلا أن قالوا - وكان اختيار هذه الطريقة واجبا لصيانة الرب عن شبهة التأنيث، ألا تراهم قالوا في صفة الله علام ولم يقولوا علامة وإن كان العلامة أبلغ احترازا من علامة التأنيث. وقرئ - ترى إبراهيم ملكوت السماوات والأرض - بالتاء ورفع الملكوت ومعناه تبصر دلائل الربوبية (وحاجه قومه قال أتحاجوني في الله) وكانوا حاجوه في توحيد الله ونفي الشركاء عنه منكرين لذلك (وقد هدان) يعني إلى التوحيد (ولا أخاف ما تشركون به) وقد خوفوه أن معبوداتهم تصيبه بسوء (إلا أن يشاء ربي شيئا) إلا وقت مشيئة ربي شيئا يخاف فحذف الوقت: يعني لا أخاف معبوداتكم في وقت قط لأنها لا تقدر على منفعة ولا مضرة إلا إذا شاء ربي أن يصيبني بمخوف من جهتها إن أصبت ذنبا أستوجب به إنزال المكروه، مثل أن يرجمني بكوكب أو بشقة من الشمس أو القمر أو يجعلها قادرة على مضرتي (وسع ربي كل شئ علما) أي ليس بعجب ولا مستبعد أن يكون في علمه إنزال المخوف بي من جهتها (أفلا تتذكرون) فتميزوا بين الصحيح والفاسد والقادر والعاجز (وكيف أخاف) لتخويفكم شيئا مأمون الخوف لا يتعلق به ضرر بوجه (و) أنتم (لا تخافون) ما يتعلق به كل مخوف وهو إشراككم بالله ما لم ينزل بإشراكه (سلطانا) أي حجة لأن الإشراك لا يصح أن يكون عليه حجة كأنه قال: وما لكم تنكرون علي الأمن في موضع الأمن ولا تنكرون على أنفسكم الامن في موضع الخوف؟ ولم يقل
(٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 ... » »»