الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٩
تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون. فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا، والحمد لله رب العالمين. قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به؟ انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون. قل أرأيتم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون. وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين.
____________________
تضرعوا) معناه نفي التضرع كأنه قيل: فلم يتضرعوا إذ جاءهم بأسنا، ولكنه جاء بلولا ليفيد أنه لم يكن لهم عذر في ترك التضرع إلا عنادهم وقسوة قلوبهم وإعجابهم بأعمالهم التي زينها الشيطان لهم (فلما نسوا ما ذكروا به) من البأساء والضراء: أي تركوا الاتعاظ به ولم ينفع فيهم ولم يزجرهم (فتحنا عليهم أبواب كل شئ) من الصحة والسعة وصنوف النعمة ليزاوج عليهم بين نوبتي الضراء والسراء كما يفعل الأب المشفق بولده يخاشنه تارة ويلاطفه أخرى طلبا لصلاحه (حتى إذا فرحوا بما أوتوا) من الخير والنعم لم يزيدوا على الفرح والبطر من غير انتداب لشكر ولا تصد لتوبة واعتذار (أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون) واجمون متحسرون آيسون (فقطع دابر القوم) آخرهم لم يترك منهم أحد قد استؤصلت شأفتهم (والحمد لله رب العالمين) إيذان بوجوب الحمد عند هلاك الظلمة وأنه من أجل النعم وأجزل القسم. وقرئ فتحنا بالتشديد (إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم) بأن يصمكم ويعميكم (وختم على قلوبكم) بأن يغطي عليها ما يذهب عنده فهمكم وعقلكم (يأتيكم به) أي يأتيكم بذاك إجراء للضمير مجرى اسم الإشارة أو بما أخذ وختم عليه (يصدفون) يعرضون عن الآيات بعد ظهورها. لما كانت البغتة أن يقع الامر من غير أن يشعر به وتظهر أماراته قيل (بغتة أو جهرة) وعن الحسن ليلا أو نهارا، وقرئ بغتة أو جهرة (هل يهلك) أي ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا الظالمون. وقرئ هل يهلك بفتح الياء (مبشرين ومنذرين) من آمن بهم وبما جاءوا به وأطاعهم ومن كذبهم وعصاهم ولم يرسلهم ليتلهى بهم ويقترح عليهم الآيات بعد وضوح أمرهم بالبراهين القاطعة
(١٩)
مفاتيح البحث: الهلاك (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 ... » »»