الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ٢ - الصفحة ١٣
بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل، ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون.
وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين. ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا، قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون.
قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى
____________________
سيبويه بقولهم دعني ولا أعود بمعنى: دعني وأنا لا أعود تركتني أو لم تتركني، ويجوز أن يكون معطوفا على نرد أو حالا على معنى يا ليتنا نرد غير مكذبين وكائنين من المؤمنين فيدخل تحت حكم التمني. فإن قلت: يدفع ذلك قوله وإنهم لكاذبون لأن المتمني لا يكون كاذبا؟ قلت: هذا تمن قد تضمن معنى العدة فجاز أن يتعلق به التكذيب كما يقول الرجل: ليت الله يرزقني مالا فأحسن إليك وأكافئك على صنيعك، فهذا متمن في معنى الوعد، فلو رزق مالا ولم يحسن إلى صاحبه ولم يكافئه كذب كأنه قال: إن رزقني الله مالا كافأتك على الإحسان. وقرئ ولا نكذب ونكون بالنصب بإضمار أن على جواب التمني ومعناه: إن رددنا لم نكذب ونكن من المؤمنين (بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل) من قبائحهم وفضائحهم في صحفهم وبشهادة جوارحهم عليهم فلذلك تمنوا ما تمنوا ضجرا، لا أنهم عازمون على أنهم لو ردوا لآمنوا، وقيل هو في المنافقين وأنه يظهر نفاقهم الذي كانوا يسرونه، وقيل هو في أهل الكتاب وأنه يظهر لهم ما كانوا يخفونه من صحة نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو ردوا إلى الدنيا بعد وقوفهم على النار (لعادوا لما نهوا عنه) من الكفر والمعاصي (وأنهم لكاذبون) فيما وعدوا من أنفسهم لا يفون به (وقالوا) عطف على لعادوا: أي ولو ردوا لكفروا ولقالوا (إن هي إلا حياتنا الدنيا) كما كانوا يقولون قبل معاينة القيامة. ويجوز أن يعطف على قوله وإنهم لكاذبون على معنى: وإنهم لقوم كاذبون في كل شئ، وهم الذين قالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا، وكفى به دليلا على كذبهم (وقفوا على ربهم) مجاز عن الحبس للتوبيخ والسؤال كما يوقف العبد الجاني بين يدي سيده ليعاتبه، وقيل وقفوا على جزاء ربهم، وقيل عرفوه حق التعريف (قال) مردود على قول قائل قال: ماذا قال ربهم إذا وقفوا عليه؟ فقيل قال (أليس هذا بالحق) وهذا تعيير من الله تعالى لهم على التكذيب، وقولهم لما كانوا يسمعون من حديث البعث والجزاء ما هو بحق وما هو إلا باطل (بما كنتم تكفرون) بكفركم بلقاء الله ببلوغ الآخرة وما يتصل بها، وقد حقق الكلام فيه في مواضع أخر، و (حتى) غاية لكذبوا لا لخسر لأن خسرانهم لا غاية له: أي ما زال بهم التكذيب إلى حسرتهم وقت مجئ الساعة. فإن قلت:
أما يتحسرون عند موتهم؟ قلت: لما كان الموت وقوعا في أحوال الآخرة ومقدماتها جعل من جنس الساعة
(١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 ... » »»