الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٥٨
قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم، لهم جنات تجري من تحتها الأنهار،
____________________
ما قال إنك تغفر لهم ولكنه بنى الكلام على إن غفرت فقال: إن عذبتهم عدلت، لانهم أحقاء بالعذاب، وإن غفرت لهم مع كفرهم لم تعدم في المغفرة وجه حكمة، لان المغفرة حسنة لكل مجرم في المعقول، بل متى كان الجرم أعظم جرما كان العفو عنه أحسن. قرئ هذا يوم ينفع بالرفع والإضافة، وبالنصب إما على أنه ظرف لقال، وإما على أن هذا مبتدأ والظرف خبر، ومعناه: هذا الذي ذكرنا من كلام عيسى واقع يوم ينفع. ولا يجوز أن يكون فتحا كقوله تعالى - يوم لا تملك - لأنه مضاف إلى متمكن. وقرأ الأعمش يوم ينفع بالتنوين كقوله تعالى - واتقوا يوما لا تجزي نفس - فإن قلت: ما معنى قوله - (ينفع الصادقين صدقهم) إن أريد صدقهم في الآخرة فليست الآخرة بدار عمل، وإن أريد صدقهم في الدنيا فليس بمطابق لما ورد فيه لأنه في معنى الشهادة لعيسى عليه السلام بالصدق فيما يجيب به يوم القيامة؟ قلت: معناه الصدق المستمر بالصادقين في دنياهم وآخرتهم. وعن قتادة متكلمان تكلما يوم القيامة: أما إبليس فقال - إن الله وعدكم وعد الحق - فصدق يومئذ وكان قبل ذلك كذبا فلم ينفعه صدقه، وأما عيسى عليه السلام فكان صادقا في الحياة وبعد الممات فنفعه صدقه. فإن قلت: في السماوات والأرض العقلاء وغيرهم فهلا غلب العقلاء فقيل ومن فيهن؟ قلت: ما يتناول الأجناس كلها تناولا عاما.
ألا نراك تقول إذا رأيت شبحا من بعيد ما هو قبل أن تعرف أعاقل هو أم غيره؟ فكان أولى بإرادة العموم.
(٦٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 649 650 651 652 653 654 655 656 657 658 659 » »»