الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٥٠
من ضل إذا اهتديتم، إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون. يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان
____________________
الفعل بمعنى الزموا إصلاح أنفسكم ولذلك جزم جوابه. وعن نافع عليكم أنفسكم بالرفع. وقرئ لا يضركم، وفيه وجهان: أن يكون خبرا مرفوعا وتنصره قراءة أبي حياة لا يضيركم، وأن يكون جوابا للامر مجزوما، وإنما ضمت الراء اتباعا لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة، والأصل لا يضرركم، ويجوز أن يكون نهيا ولا يضركم بكسر الضاد وصمها من ضاره يضيره ويضوره. ارتفع اثنان على أنه خبر للمبتدأ الذي هو (شهادة بينكم) على تقدير شهادة بينكم شهادة اثنين، أو على أنه فاعل شهادة بينكم على معنى فيما فرض عليكم أن يشهد اثنان، وقرأ الشعبي شهادة بينكم بالتنوين، وقرأ الحسن شهادة بالنصب والتنوين على ليقم شهادة اثنان وإذا حضر ظرف للشهادة وحين الوصية بدل منه، وفي إبداله منه دليل على وجوب الوصية وأنها من الأمور اللازمة التي ما ينبغي أن يتهاون بها مسلم ويذهل عنها، وحضور الموت مشارفته وظهور أمارات بلوغ الاجل (منكم) من أقاربكم و (من غيركم) من الأجانب (إن أنتم ضربتم في الأرض) يعني إن وقع الموت في السفر ولم يكن معكم أحد من عشيرتكم فاستشهدوا أجنبيين على الوصية، وجعل الأقارب أولى لانهم أعلم بإحوال الميت وبما هو أصلح وهم له أنصح. وقيل منكم من المسلمين ومن غيركم من أهل الذمة. وقيل هو منسوخ لا تجوز شهادة الذمي على المسلم، وإنما جازت في أول الاسلام لقلة المسلمين وتعذر وجودهم في حال السفر. وعن مكحول نسخها قوله تعالى - وأشهدوا ذوي عدل منكم - وروي أنه خرج بديل بن أبي مريم مولى عمرو بن العاص وكان من المهاجرين مع عدي بن زيد وتميم بن أوس وكانا نصرانيين تجارا إلى الشام، فمرض بديل وكتب كتابا فيه ما معه وطرحه في متاعه ولم يخبر به صاحبيه وأمرهما أن يدفعا متاعه إلى أهله ومات، ففتشا متاعه فأخذا إناء من فضة فيه ثلاثمائة مثقال منقوشا بالذهب فغيباه، فأصاب أهل بديل الصحيفة فطالبوهما بالاناء فجحدا فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت) (تحسبونهما) تقفونهما وتصبرونهما للحلف (من بعد الصلاة) من بعد صلاة العصر لأنه وقت اجتماع الناس. وعن الحسن بعد صلاة العصر أو الظهر لان أهل الحجاز كانوا يقعدون للحكومة بعدهما، وفي حديث بديل (أنها لما نزلت صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر ودعا بعدي وتميم فاستحلفهما عند المنبر فحلفا، ثم وجد الاناء بمكة فقالوا: إنا اشتريناه من تميم وعدي، وقيل هي صلاة أهل الذمة وهم يعظمون صلاة العصر) (إن ارتبتم) اعتراض بين القسم والمقسم عليه. والمعنى: إن ارتبتم في شأنهما واتهمتموهما فحلفوهما، وقيل إن أريد بهما الشاهدان فقد نسخ تحليف الشاهدين، وإن أريد الوصيان فليس بمنسوخ تحليفهما.
وعن علي رضي الله عنه أنه كان يحلف الشاهد والراوي إذا اتهمهما. والضمير في (به) للقسم، وفي (كان) للمقسم له: يعني لا نستبدل بصحة القسم بالله عرضا من الدنيا: أي لا نحلف بالله كاذبين لأجل المال ولو كان
(٦٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 645 646 647 648 649 650 651 652 653 654 655 ... » »»