الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٥٢
واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين. يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم؟ قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب.
____________________
في قصة بديل (واسمعوا) سمع إجابة وقبول (يوم يجمع) بدل من المنصوب في قوله (واتقوا الله)، وهو من بدل الاشتمال كأنه قيل: واتقوا الله يوم جمعة، أو ظرف لقوله لا يهدى: أي لا يهديهم طريق الجنة يومئذ كما يفعل بغيرهم، أو ينصب على إضمارا ذكر، أو يوم يجمع الله الرسل كان كيت وكيت، و (ماذا) منتصب بأجبتم انتصاب مصدره على معنى أي إجابة أجبتم، ولو أريد الجواب لقيل بماذا أجبتم. فإن قلت: ما معنى سؤالهم؟ قلت:
توبيخ قومهم كما كان سؤال الموؤودة توبيخا للوائد. فإن قلت: كيف يقولون (لا علم لنا) وقد علموا بما أجيبوا؟ قلت: يعلمون أن الغرض بالسؤال توبيخ أعدائهم فيكلون الامر إلى علمه وإحاطته بما منوا به منهم وكابدوا من سوء إجابتهم إظهارا للتشكي واللجإ إلى ربهم في الانتقام منهم، وذلك أعظم على الكفرة وافت في أعضادهم وأجلب لحسرتهم وسقوطهم في أيديهم إذا اجتمع توبيخ الله وتشكي أنبيائه عليهم، ومثاله أن ينكب بعض الخوارج على السلطان خاصة من خواصه نكبة قد عرفها السلطان واطلع على كنهها وعزم على الانتصار له منه، فيجمع بينهما ويقول له ما فعل بك هذا الخارجي وهو عالم بما فعل به، يريد توبيخه وتبكيته فيقول له:
أنت أعلم بما فعل بي تفويضا للامر إلى علم سلطانه واتكالا عليه وإظهارا للشكاية وتعظيما لما حل به منه. وقيل من هو ذلك اليوم يفزعون ويذهلون عن الجواب ثم يجيبون بعد ما تثوب إليهم عقولهم بالشهادة على أممهم. وقيل معناه: علمنا ساقط مع علمك ومغمور به لأنك علام الغيوب، ومن علم الخفيات لم تخف عليه الظواهر التي منها إجابة الأمم لرسلهم فكأنه لا علم لنا إلى جنب علمك. وقيل لا علم لنا بما كان منهم بعدنا وإنما الحكم للخاتمة، وكيف يخفى عليهم أمرهم وقد رأوهم سود الوجوه زرق العيون موبخين. وقرئ علام الغيوب بالنصب على أن الكلام قد تم بقوله (إنك أنت) أي إنك الموصوف بأوصافك المعروفة من العلم وغيره، ثم نصب (علام الغيوب)
(٦٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 647 648 649 650 651 652 653 654 655 656 657 ... » »»