الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل - الزمخشري - ج ١ - الصفحة ٦٤٩
ثم أصبحوا بها كافرين. ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون. وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله والى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا ولا يهتدون. يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم
____________________
تعديته بعن، وإنما هو راجع إلى المسألة التي دل عليها لا تسألوا: يعني قد سأل قوم هذه المسألة من الأولين (ثم أصبحوا بها) أي بمرجوعها أو بسببها (كافرين) وذلك أن بني إسرائيل كانوا يستفتون أنبياءهم عن أشياء فإذا أمروا بها تركوها فهلكوا. كان أهل الجاهلية إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها: أي شقوها وحرموا ركوبها، ولا تطرد عن ماء ولا مرعى، وإذا لقيها المعيي لم يركبها واسمها البحيرة، وكان يقول رجل:
إذا قدمت من سفري أو برئت من مرضي فناقتي سائبة، وجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها. وقيل كان الرجل إذا أعتق عبدا قال هو سائبة فلا عقل بينهما ولا ميراث، وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم، وإن ولدت ذكرا فهو لآلهتم، فإن ولدت ذكرا وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم، وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن قالوا قد حمى ظهره فلا يركب، ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى، ومعنى (ما جعل) ما شرع ذلك ولا أمر بالتبحير والتسييب وغير ذلك. ولكنهم بتحريمهم ما حرموا (يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون) فلا ينسبون التحريم إلى الله حتى يفتروا ولكنهم يقلدون في تحريمها كبارهم. الواو في قوله (أو لو كان آباؤهم) واو الحال قد دخلت عليها همزة الانكار وتقديره أحسبهم ذلك، ولو كان آباؤهم (لا يعلمون شيئا ولا يهتدون) والمعنى: أن الافتداء إنما يصح بالعالم المهتدي، وإنما يعرف اهتداؤه بالحجة. كان المؤمنون تذهب أنفسهم حسرة على أهل العتو والعناد من الكفرة يتمنون دخولهم في الاسلام، فقيل لهم (عليكم أنفسكم) وما كلفتم من إصلاحها والمشي بها في طرق الهدى (لا يضركم) الضلال عن دينكم إذا كنتم مهتدين كما قال عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام - فلا تذهب نفسك عليهم حسرات - وكذلك من يتأسف على ما فيه الفسقة من الفجور والمعاصي ولا يزال يذكر معايبهم ومناكيرهم فهو مخاطب به، وليس المراد ترك الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن من تركهما مع القدرة عليهما فليس بمهتد وإنما هو بعض الضلال الذين فصلت الآية بينهم وبينه. وعن ابن مسعود أنها قرئت عنده فقال: إن هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة، ولكن يوشك أن يأتي زمان تأمرون فلا يقبل منكم، فحينئذ عليكم أنفسكم فهي على هذا تسلية لمن يأمر وينهى فلا يقبل منه وبسط لعذره. وعنه ليس هذا زمان تأويلها قيل فمتى؟ قال إذا جعل دونها السيف والسوط والسجن. وعن أبي ثعلبة الخشني (أنه سئل عن ذلك فقال للسائل: سألت عنها خبيرا، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا ما رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ودع أمر العوام، وإن من ورائكم أياما الصبر فيهم كقبض على الجمر، للعامل منهم مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله) وقيل كان الرجل إذا أسلم قالوا له: سفهت آباءك ولاموه، فنزلت (عليكم أنفسكم). عليكم من أسماء
(٦٤٩)
مفاتيح البحث: الكذب، التكذيب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 644 645 646 647 648 649 650 651 652 653 654 ... » »»