التبيان - الشيخ الطوسي - ج ٤ - الصفحة ٢٦٨
الذين لا يؤمنون " أنه يجعل الرجس على هؤلاء كما يجعل ضيق الصدر في قلوب أولئك وان كل ذلك على وجه الاستحقاق. ولا يجوز أن يكون المراد بالآية ان الله تعالى يجعل سبب الايمان الذي يكون به الايمان، وسبب الكفر الذي يكون به الكفر، وانهما جميعا من فعل الله على ما يقوله المجبرة، وذلك أن الله تعالى أنزل القرآن حجة له على عباده، لا حجة للعباد عليه، فلو كان كما قالوه لكانت الحجة عليه لاله على أنه لا يجوز أن يكون في كلام الله تعالى مناقضة، وقد ذكره الله تعالى في مواضع أنه هدى للكفار نحو قوله " وأما ثمود فهديناهم فاستحقوا العمى على الهدى " (1) وقال " وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة " (2) وقال " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى " (3) وقال " قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها " (4) فبين بجميع ذلك أنه تعالى هدى الكفار كما هدى المؤمنين، فكيف ينفي ذلك في موضع آخر، وهل ذلك الا مناقضة وكلام الله منزه عنها؟! ومتى حملنا الآيات على ما قلناه ووفقنا بينها لم يؤد إلى المناقضة ولا التضاد، ويقوي ذلك ان الله اخبر انه يجعل قلب الكافر ضيقا حرجا ونحن نجد كثيرا من الكفار غير ضيقي الصدر بما هم فيه من الكفر بل هم في غاية السرور والفرح بذلك، فكيف يقال إن الله تعالى ضيق صدورهم بالكفر؟! ولا يلزمنا ذلك إذا قلنا إن الله يفعل ذلك بهم على وجه العقوبة لأنه تعالى إذا كان يفعل بهم ذلك عقوبة يجوز أن يفعل بهم ذلك إذا أراد عقابهم لافي جميع الأحوال، ولا يلزم ان يجدوا نفوسهم على ذلك في كل وقت. وأيضا فان سبب القبيح لا يكون الا قبيحا فعلى هذا سبب الكفر يجب أن يكون قبيحا، لأنه موجب له لا يصلح لضده من الايمان، لأنه لو صلح لذلك لم يكن سببا، والله تعالى لا يفعل

(1) سورة 41 حم السجدة آية 17 (2) سورة 90 البلد آية 10 - 11 (3) سورة 17 الاسرى آية 94 وسورة 18 الكهف آية 56 (4) سورة 6 الانعام آية 104.
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»
الفهرست