فكان على خالد أن يسألهم أولا عن شبهتهم ويبين لهم بطلانها، ثم إن أصروا على الامتناع والخروج عن الطاعة قاتلهم، ولم ينقل أحد أن خالدا وأصحابه أزاح لهم علة أو أبطل لهم شبهة، ولا أنهم أصروا على العصيان، بل قد سبق (1) في القصة التي رواها السيد وصدقه ابن أبي الحديد (2) أنهم قالوا: نحن مسلمون، فأمرهم أصحاب خالد بوضع السلاح، ولما وضعوا أسلحتهم ربطوهم أسارى، وكان على أبي بكر أن ينكر على خالد ويوضح سوء صنيعه للناس، لا أن يلقاه بوجه يخرج من عنده ويستهزئ بعمر ويقول له: هلم إلي يا ابن أم شملة!.
وقد روى كثير من مؤرخيهم - منهم صاحب روضة الأحباب (3) - أنه قبض على قائمة سيفه وقال لعمر ذلك.
ولا يذهب على من له نصيب من الفهم أنه لو شم من أبي بكر رائحة من الكراهة أو التهديد لما اجترأ على عمر بالسخرية والاستهزاء، والامر في ذلك أوضح من أن يحتاج إلى الكشف والافصاح، هذا مع أنه قد اعترف أبو بكر بخطأ خالد - كما رواه ابن أبي الحديد (4) - حيث قال: لما قتل خالد مالك بن نويرة ونكح امرأته كان في عسكره أبو قتادة الأنصاري، فركب فرسه والتحق بأبي بكر، وحلف أن لا يسير في جيش تحت لواء خالد أبدا، فقص على أبي بكر القصة، فقال أبو بكر: لقد فتنت الغنائم العرب، وترك خالد ما أمرته (5). فقال عمر: إن عليك أن تقيده بمالك، فسكت أبو بكر، وقدم خالد فدخل المسجد وعليه ثياب قد صدئت من الحديد، وفي عمامته ثلاثة أسهم، فلما رآه عمر قال: أرياءا! يا عدو الله؟، عدوت على رجل من المسلمين فقتلته ونكحت امرأته، أما والله إن أمكنني الله (6)