بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ٣٦٠
يسيل دمه ودماغه وأخبره بذلك، وقال: يا أيوب لو رأيت بنيك كيف عذبوا وكيف قلبوا؟ فكانوا منكسين على رؤوسهم يسيل دماؤهم ودماغهم من أنوفهم وأشفارهم وأجوافهم (1) ولو رأيت كيف شقت بطونهم فتناثرت أمعاؤهم لتقطع قلبك، فلم يزل يقول هذا ونحوه ويرققه حتى رق أيوب عليه السلام فبكى وقبض قبضة من التراب فوضعها على رأسه، فاغتنم إبليس ذلك فصعد سريعا بالذي كان من جزع أيوب مسرورا به، ثم لم يلبث أيوب أن فاء (2) وأبصر فاستغفر (3) وصعد قرناؤه من الملائكة بتوبته، فبدروا إبليس إلى الله تعالى - وهو أعلم - فوقف (4) إبليس خاسئا ذليلا فقال: يا إلهي إنما هون على أيوب خطر المال والولد أنه يرى أنك ما متعته بنفسه فأنت تعيد له المال والولد، فهل أنت مسلطي على جسده فإني لك زعيم لئن ابتليته في جسده لينسينك وليكفرن بك وليجحدن نعمتك، فقال الله عز وجل: انطلق فقد سلطتك على جسده، ولكن ليس لك سلطان على لسانه ولا على قلبه ولا على عقله، وكان الله هو أعلم به لم يسلطه عليه إلا رحمة ليعظم له الثواب وجعله عبرة للصابرين، (5) وذكرى للعابدين، في كل بلاء نزل ليأنسوا به (6) بالصبر ورجاء الثواب.
فانقض عدو الله تعالى سريعا فوجد أيوب عليه السلام ساجدا فعجل قبل أن يرفع رأسه فأتاه من قبل الأرض في موضع وجهه، فنفخ في منخره نفخة اشتعل منها جسده، فرهل (7) وخرج به من فرقة إلى قدمه ثآليل مثل أليات الغنم، ووقعت فيه حكة لا يملكها، فحك بأظفاره حتى سقطت كلها، ثم حكها بالمسوح (8) الخشنة حتى قطعها، ثم حكها بالفخار

(1) في المصدر: وكيف قلب بهم القصر، وكيف نكسوا على رؤوسهم تسيل دماؤهم وأدمغتهم من أنوفهم وشفاهم.
(2) أي رجع وتاب.
(3) في المصدر: فاستغفر وشكر.
(4) في المصدر: فبادروا إبليس وسبقوه إلى الله والله أعلم بما كان، فوقف اه‍.
(5) " ": يجعله عبرة للصابرين.
(6) هكذا في الكتاب، والصحيح كما في المصدر: ليتأسوا به.
(7) في الصحاح: رهل لحمه أي اضطرب واسترخى. وفى المصدر: ذهل وهو مصحف.
(8) المسح: الكساء من شعر.
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»
الفهرست