بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ١٩٢
عالم، فانطلق ذو القرنين يسير في البلاد حتى مر بشيخ يقلب جماجم الموتى، فوقف عليه بجنوده فقال: أخبرني أيها الشيخ لأي شئ تقلب هذه الجماجم؟ قال: لأعرف الشريف من الوضيع فما عرفت وإني لأقلبها عشرين سنة. (1) فانطلق ذو القرنين وتركه وقال: ما أراك عنيت بهذا أحدا غيري، فبينا هو يسير إذ وقع إلى الأمة العالمة الذين منهم قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، فوجد أمة مقسطة (2) عادلة يقسمون بالسوية، ويحكمون بالعدل، ويتواسون ويتراحمون، حالهم واحدة، وكلمتهم واحدة، وقلوبهم مؤتلفة، وطريقتهم مستقيمة، وسيرتهم جميلة، وقبور موتاهم في أفنيتهم وعلى أبواب دورهم، وليس لبيوتهم أبواب، وليس عليهم امراء، وليس بينهم قضاة وليس فيهم أغنياء ولا ملوك ولا أشراف ولا يتفاوتون ولا يتفاضلون، ولا يختلفون ولا يتنازعون، ولا يستبون ولا يقتتلون، ولا تصيبهم الآفات، فلما رأى ذلك من أمرهم ملا منهم عجبا، فقال لهم: أيها القوم أخبروني خبركم، فإني قد درت في الأرض شرقها وغربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها ونورها وظلمتها فلم أر مثلكم، فأخبروني ما بال قبور كم على أبواب أفنيتكم؟ قالوا: فعلنا ذلك عمدا لئلا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا، قال: فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟ قالوا: ليس فينا لص ولا خائن وليس فينا إلا أمين، قال: فما بالكم ليس عليكم امراء؟ قالوا: إنا لا نتظالم، قال: فما بالكم ليس عليكم حكام؟ قالوا: إنا لا نختصم، قال: فما بالكم ليس فيكم ملوك؟ قالوا: لأنا لا نتكاثر، قال: فما بالكم ليس فيكم أشراف؟ قالوا: لأنا لا نتنافس، قال: فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟ (3) قالوا:
من قبل أنا متواسون متراحمون، قال: فما بالكم لا تنازعون ولا تختصمون؟ قالوا: من قبل الفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا قال: فما بالكم لا تستبون ولا تقتتلون؟ قالوا من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم، وسننا أنفسنا بالحلم، قال: فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا: من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضا، قال: فأخبروني لم ليس فيكم؟ فقير ولا مسكين قالوا: من قبل أنا نقسم بالسوية، قال: فما بالكم ليس

(1) في المصدر: منذ عشرين سنة. م (2) أي عادلة.
(3) في المصدر: ولا تتناوبون. م
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست