بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٢ - الصفحة ١٧٦
وإني لاقلبها منذ عشرين سنة، فانطلق ذو القرنين وتركه، فقال: ما عنيت بهذا أحدا غيري.
فبينا هو يسير إذا وقع إلى الأمة (1) العالمة من قوم موسى الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، فلما رآهم قال لهم: أيها القوم أخبروني بخبركم، فإني قد درت الأرض شرقها وغربها وبرها وبحرها وسهلها وجبلها ونورها وظلمتها فلم ألق مثلكم، فأخبروني ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم؟ قالوا: فعلنا ذلك لئلا ننسي الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا، قال: فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟ قالوا: ليس فينا لص ولا ظنين وليس فينا إلا أمين، قال: فما بالكم ليس عليكم امراء؟ قالوا:
لا نتظالم، قال: فما بالكم ليس بينكم حكام؟ قالوا: لا نختصم، قال: فما بالكم ليس فيكم ملوك؟
قالوا: لا نتكاثر، قال: فما بالكم لا تتفاضلون ولا تتفاوتون؟ قالوا: من قبل أنا متواسون متراحمون، قال: فما بالكم لا تتنازعون ولا تختلفون؟ قالوا: من قبل الفة قلوبنا وصلاح ذات بيننا، قال: فما بالكم لا تستبون ولا تقتلون؟ قالوا: من قبل أنا غلبنا طبائعنا بالعزم وسسنا (2) أنفسنا بالحلم، قال: فما بالكم كلمتكم واحدة وطريقتكم مستقيمة؟ قالوا:
من قبل أنا لا نتكاذب ولا نتخادع ولا يغتاب بعضنا بعضا، قال: فأخبروني لم ليس فيكم مسكين ولا فقير؟ قالوا: من قبل أنا نقسم بالسوية، قال: فما بالكم ليس فيكم فظ (3) ولا غليظ؟
قالوا: من قبل الذل والتواضع، قال: فلم جعلكم الله عز وجل أطول الناس أعمارا؟ قالوا من قبل أنا نتعاطى الحق ونحكم بالعدل، قال: فما بالكم لا تقحطون؟ قالوا: من قبل أنا لا نغفل عن الاستغفار، قال: فما بالكم لا تحزنون؟ قالوا: من قبل أنا وطنا أنفسنا (4) على البلاء فعزينا أنفسنا، (5) قال: فما بالكم لا يصيبكم الآفات؟ قالوا: من قبل أنا

(1) في نسخة: وقع على الأمة. وفى العلل: الأمة العادلة.
(2) ساس الدواب: قام عليها وراضها. ساس القوم: دبرهم وتولى أمرهم. وفى الأمالي:
وسبينا.
(3) الفظ: الغليظ السئ الخلق الخشن الكلام.
(4) وطن نفسه على الامر وللامر: هيئأها لفعله وحمله عليه، توطنت نفسه على كذا:
حملت عليه.
(5) في العلل: فقوينا أنفسنا. م
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست