شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٩٤
النصارى (أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال: أخبرني عن الله عز وجل يحمل العرش أم العرش يحمله؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما) يعني حاملها بالقدرة الكاملة على ما يقتضيه الحكمة البالغة من وضع كل شيء في موضعه وتقديره بالقدر اللايق به وتحديده وتصويره بما يناسبه. وفيه تنبيه على حاجة الخلق إليه في أن يقيمهم (1) في الوجود بمساك قوته ويحفظهم في البقاء بكمال قدرته (وذلك قول الله: (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا) أي يمسكهما كراهة أن تزولا بالعدم والبطلان اللازم لطبيعة الإمكان وبانطباق السماء على الأرض ورسوب الأرض على الماء أو يمنعهما أو يحفظهما أن تزولا فإن الإمساك متضمن للمنع والحفظ، وفيه دلالة على أن الممكن (2) في بقائه واستمرار وجوده ودوام هيئته يحتاج

1 - قوله: «حاجة الخلق إليه في أن يقيمهم» هذا مذهب الحكماء الإلهين اختاره الشارح وهو الصحيح من المذاهب، وأما المتكلمون فقد اختلفوا وذهب أكثرهم إلى أن الممكن بعد وجوده يستغني عن المؤثر في البقاء وإنما يحتاج إلى الخالق في بدء حدوثه نظير البناء والباني، وذهب بعضهم إلى أنه كما يحتاج في الحدوث يحتاج في البقاء أيضا نظير الضوء يحتاج إلى السراج حدوثا وبقاء، والفرق أن السراج ليس له علم واختيار في الإضاءة، والله تعالى يفعل بعلم واختيار، فإن قيل: إنا لا نتصور فناء الجواهر، قلنا هذا الثبات والاستمرار حاصل من تعلق إرادته تعالى بإبقاء ما يبقى، ومع تعلق هذه الإرادة لا نتعقل عدمه. (ش) 2 - قوله: «وفيه دلالة على أن الممكن» دلالة الآية على ذلك ظاهر; إذ لا يمكن أن يراد من الإمساك المماسة باليد وأمثالها بل إمساك بعلية وتأثير.
فإن قيل: لعل المراد من الزوال الانتقال من موضع إلى موضع آخر:
قلنا: الانتقال من موضع إلى آخر ثابت في الجملة للأرض أو للسماء ولو في الوضع بل المراد إمساكهما حتى لا يفنيا ولا يحتمل هنا غيره.
ثم إن الآية كما تدل على احتياج الممكن في البقاء إلى المؤثر تدل على أن العلة المبقية هي العلة الموجدة لا غيرها، ولا يمكن أن يوجد الشيء بعلة ثم يفوض إبقاؤها إلى علة أخرى حيث قال: (ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده) والدليل العقلي عليه أن تشخص المعلول بتشخص العلة ولا يمكن الاستبدال فيها.
وبالجملة: الوجود للممكن شيء بالعرض كالملوحة لماء البحر لا بالذات كما للملح نفسه فإذا زال تأثير الملح زال الملوحة عن الماء، فإن قيل: نرى بعض الصفات يبقى بعد زوال العلة كالحرارة للماء بعد إطفاء النار في الجملة وكما يستحيل بقاء المعلول بعد زوال العلة مدة كثيرة كذلك يستحيل عندكم بقاؤه ولو في آن، قلنا: أمثال الحرارة في الماء لا تعد معلولة ولا النار علة لها بل النار من المعدات ويجوز تقديم المعد على المعلول زمانا، وبقاء المعلول بعد فنائه، ومثله تقدم الأب على الابن، والباني على البناء، والعلة المؤثرة في الوجود لا يعقل زوالها مع بقاء المعلول كزوال الأربعة مع بقاء الزوجية وزوال الجسم مع بقاء العرض، وزوال الأجزاء مع بقاء المركب، فإن هذه هي التي يتوقف وجودها على غيرها ولا يتعقل بقاؤها بعد فناء ما يتوقف عليها، وكذلك الممكن مع الله تعالى بل التعلق والربط بين الممكن والواجب واحتياجه إليه أشد من تعلق العرض بالجوهر; لأن وجود العرض في نفسه ووجود الممكن كالمعنى الحرفي ليس في نفسه. (ش)
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»
الفهرست