شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٩٥
إلى حافظ (ولئن زالتا إن أمسكهما) أي ما أمسكهما (من أحد من بعده) أي من بعد الله أو من بعد الزوال. «من» الأولى زائدة للمبالغة في الاستغراق والثانية للابتداء (إنه كان حليما) لا يعاجل بالعقوبة على الغفلة والعصيان وسوء الأدب والجهالة (غفورا) يغفر لمن يشاء، والآية دلت على أنه أمسكهما مع كونهما جديرين، نظرا إلى ذواتهما الباطلة غير الثابتة ومع عصيان العباد، بأن تزولا وتهدا هدا كما قال: (تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض) ولذلك ذكر هذين الوصفين أعني الحلم والغفران (قال: فأخبرني عن قوله: (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية) فكيف قال ذاك وقلت: إنه يحمل العرش والسماوات والأرض) مراده أن ما قلت مناف لما دلت عليه هذه الآية من وجهين أحدهما أن حملة العرش ثمانية لا هو، وقلت: هو حامله. وثانيهما أن الثمانية إذا حملوا عرشه فقد حملوه أيضا لأنه على العرش، وقلت: إنه حامل جميع ما سواه (فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): إن العرش خلقه الله تعالى من أنوار أربعة نور أحمر منه احمرت الحمرة ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ونور أبيض منه ابيض البياض وهو) أي العرش (العلم (1) الذي حمله الله الحملة) الحملة بالتحريك جمع الحامل وحملته شيئا تحميلا إذا كفلته حمله وكلفته بحمله.

١ - قوله: «وهو أي العرش العلم» ولا ينافي إطلاق العرش على موجود جسماني عظيم يسمى بمحدود الجهات راجع الصفحة ٢٤٠ من المجلد الثالث.
إن قيل: لم يأت في لغة العرب العرش بمعنى العلم لا حقيقة ولا مجازا، فلا يقال: لا عرض لي بالنحو أي لا علم لي به مثلا.
قلنا: المراد بيان المصداق لا تفسير المفهوم، ومعنى العرش في لغة العرب حقيقة هو السرير، ومجازا القهر والاستيلاء; لأن عرش الملك مساوق لاستيلائه. ولما كان إيجاد الخلق وإبقاؤه من الله تعالى لعلمه العنائي صح أن يقال: عرشه علمه مصداقا فإنه سبب إيجاده واستيلائه وقهره، وقد فتح أمير المؤمنين (عليه السلام) باب التأويل على العقول وهو (عليه السلام) أصل كل خير وأساس كل علم، وفائدة التأويل رفع الاستبعاد والاستنكار، إذ ربما ورد في كلام الله والرسول (صلى الله عليه وآله) مجازات واستعارات لتقريب المعقول إلى المحسوس كما في كلام سائر الناس فيقال: ذلك الشعر لطيف رقيق وذلك كلام عذب وهذا لفظ مليح، وأهل الظاهر لا يرضون بحمل كلام الشارع على المعنى المجازى ويقولون: فتح باب التأويل يهدم أساس الشريعة ويوجب الشك في أصول العقائد، والعلماء يرون التأويل واجبا في مورده; لأن الجمود على الظواهر يهدم أساس الدين أيضا; لأن العقلاء إذا رأوا ظاهر الحديث أو القرآن لا يوافق ما تحقق لديهم ولم يجز تأويل ظاهره شكوا في صدق الرسول (صلى الله عليه وآله) أو أنكروا، مثلا علموا بعقولهم يقينا أن الله تعالى ليس بجسم ولا يحتاج إلى مكان وليس له يد وعين ووجه ولو لم يجوز لهم تأويل تلك الألفاظ نسبوا المسلمين ورؤسائهم إلى الجهل، ولذلك فتح أمير المؤمنين (عليه السلام) باب التأويل ولكن التأويل شيء يختص به الراسخون في العلم وليس لكل أحد أن يؤول كل شيء بهواه كما فعله الباطنية بل لكل شيء حد وقاعدة ومورد ومصدر يعرفه أهله. (ش)
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»
الفهرست