شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٩٧
مصداق له، وبه انخسفت قلوبهم وعميت عيون بصائرهم عن مشاهدة عظمة الحق وأسراره (وبعظمته ونوره ابتغى من في السماء والأرض من جميع خلايقه إليه الوسيلة بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة) إشارة إلى النور الأخضر والأصفر إذ بهما طلب المخلوقات الوسيلة والتقرب على أنحاء مختلفة، وأرشد إلى أن هذا من مصداق هذين النورين بذكر الاخلاف والاشتباه، ويمكن أن يكون الإبصار ناظرا إلى النور الأبيض، والمعاداة إلى الأنوار الثلاثة الباقية، والإبتغاء إلى الجميع، وبالجملة ذكر فرقا أربعة في مقابلة أنوار أربعة على سبيل التوزيع بحيث يناسب حال كل فرقة بنور من تلك الأنوار وتعلقه بها كتعلق العلم بالكائن في نفس الأمر (فكل محمول يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته) أي فكل شيء من الكائنات صغيرا كان أو كبيرا خيرا كان أو شرا محمول يحمله الله تعالى بعلمه المحيط به وبعظمته التامة وقدرته العامة (لا يستطيع) شيء منها (لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا) إذ كل ما تعلق علمه وقدرته بوقوعه فهو يقع ولا يقع خلافه لما سيجيء من أنه لا يقع شيء إلا بعلمه وقدرته ومشيته ولا يلزم من ذلك جبر العباد على أفعالهم; لأن العلم تابع للمعلوم وسيجئ تحقيق ذلك إن شاء الله تعالى (فكل شيء محمول) (1) يعني إذا كان كل شيء من

١ - قوله: «فكل شيء محمول» كما قال الشارح على سبيل التمثيل إذ ليس الممكن موضوعا على الله تعالى ومستعليا عليه كجسم على جسم بل المحمول بمعنى المعلول المتعلق بغيره المتوقف وجوده على حفظ غيره، وبالجملة لا ريب في أن الممكن وجوده ربطي تعلقي لا يتعلق تحققه بغير مقيم يقيمه، والشيء المتوقف على غيره لا بد أن يكون بينهما علاقة إذ لا يعقل توقف وجود شيء على شيء بحيث ينتفي أحدهما بانتفاء الآخر مع استقلال كل واحد وعدم رابطة بينهما ويسمى هذه الرابطة بالإضافة الاشراقية وعرفها أمير المؤمنين (عليه السلام) بالقرائن المذكورة على الترتيب: الأولى الرابطة بين القلوب أي النفوس الناطقة وبينه تعالى، والنفوس أقرب موجودات العالم المحسوس إليه تعالى، والرابطة موجودة للنفوس العالمة والجاهلة.
الثانية أن كل موجود في الأرض والسماء يتحرك نحوه، وهو تعالى غاية كل شيء، ويبتغى كل شيء إليه الوسيلة بذلك الإضافة الاشراقية التي سماها أمير المؤمنين (عليه السلام) نور عظمته، فالشاعر يعبده بشعوره وغير الشاعر بتكونه ووجوده.
الثالثة ما يحمل به الله تعالى مخلوقه يسمى نورا وقدرة وعظمة، والنور استعارة للوجود الساري; لأن سبب لظهور كل شيء والقدرة هو ذلك أيضا إذ به أوجد الموجودات وهو العظمة وهو ظاهره.
الرابعة لا يستطيع شيء من الممكنات لنفسه ضرا ولا نفعا اه. ولو كان الممكن موجودا في نفسه من غير ارتباط بالواجب لملك لنفسه نفعا وترتب على وجوده خواصه، وليس قهره واستعلاؤه تعالى على عباده نظير قهر الملوك واستعلائهم; لأن الرعية لا يحتاجون في أصل وجودهم إلى الملك ويستطيعون لأنفسهم نفعا وضرا في الجملة.
الخامسة إمساك السماوات والأرض تمثيل وتفهم لكيفية تعلق المعلول بالعلة وأنه حاصل حدوثا وبقاء فكما أن الشيء الثقيل إذا رفعته عن الأرض وأمسكته بيدك يحتاج في رفعه إليك ويحتاج في بقائه أيضا إلى إمساكك إياه بحيث لو أطلقته من يدك آنا لسقط كذلك السماوات والأرض إن لم يمسكهما الله تعالى لحظة لزالتا وهما محتاجتان حدوثا وبقاء.
السادسة المحيط بهما تمثيل آخر لتصور الرابطة بين الواجب والممكن وإن احتياج الممكن وتعلقه به إنما هو إلى ذاته المتعالية لا إلى أمره وعلمه فقط نظير احتياج الرعية في نظم أمور مدينتهم إلى نظر السلطان وتدبيره فقط، والإحاطة استعارة للحضور والقرب من كل شيء بذاته وبنور عظمته; لأن المحاط لا يمكنه أن يخرج من تصرف المحيط ويبان منه.
السابعة هو حياة كل شيء ونور كل شيء تمثيل أيضا لتسهيل تصور الرابطة المذكورة; وذلك لأن حياة كل شئ إنما هي نفحة منه، ونور كل شيء أي وجوده شعاع منبجس من وجوده، ولما كان الحياة والوجود للأشياء بالعرض لا بالذات صح أن يقال هو حياة كل شيء ونوره، ولا يتصور بقاء ما بالعرض بدون ما بالذات.
وبهذه الفقرات لكل من يتدبر فيها يظهر معنى كون الممكن محمولا ومتعلق الوجود بغيره برابطة تسمى إضافة اشراقية أو الوجود الساري أو نور عظمته كما سماه أمير المؤمنين (عليه السلام) وليست إحاطته وإضافته فرضا اعتباريا كالإضافات المقولية، ولا ملكه نظير مالكية الإنسان لأمواله، ولا خلقه للأشياء نظير الباني للبناء، ولا تدبيره ونظره وقدرته نظير قدرة السلاطين بل ليس في الوجود إلا هو، وسائر الأشياء أعدام وأوهام، ونعم ما قال بعض العرفاء لما قيل بحضرته: كان الله ولم يكن معه شيء: الآن كما كان «داخل في الأشياء لا كدخول شيء في شيء وخارج عنها لا كخروج شيء عن شيء وليس بينونته بينونة عزلة». (ش)
(٩٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 ... » »»
الفهرست