شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٤ - الصفحة ٩٦
أقول: هذا الحديث من الأسرار والذي يخطر بالبال على سبيل الاحتمال أن الموجود إما شر محض أو خير محض أو مشوب من الخير والشر، وهذا القسم إما الشر غالب أولا، فهذه أربعة أقسام، والعلم المسمى بالعرش لاستقرار الموجودات فيه وعلى وفقه متعلق بجميع هذه الأقسام، فمن حيث تعلقه بالأول يسمى بالنور الأحمر; لأن منه احمرت الحمرة أي الشرور إذ الشر يناسب وصفه بالحمرة لكونه محلا للغضب وكذا العلم المتعلق به لأدنى ملابسة ومن حيث تعلقه بالثاني يسمى بالنور الأبيض; لأن الخير من توابع الرحمة، والرحمة يناسب وصفها بالبياض، قال الله تعالى: (وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله) ومن حيث تعلقه بالثالث يسمى بالنور الأخضر لغلبة سواد الشر، والسواد إذا غلب النور مال النور إلى الخضرة، ومن حيث تعلقه بالرابع يسمى بالنور الأصفر; لأن فيه شيئا من سواد الشر، والسواد إذا خالط النور وساواه أو نقص منه مال النور إلى الصفرة. ومن هاهنا ظهر أن العرش الذي هو علم الحملة بالكائنات مخلوق من أنوار أربعة وإنما قدم الأول لغلبة الشرور في عالم الطبايع الظلمانية والنفوس البشرية ولذا أيضا قدم الثاني على الثالث وأخر الرابع لقلة الخير المحض في عالم النفوس الهيولانية، وقد مر شرح هذا في باب النهي عن الصفة (1).
(وذلك نور من عظمته) (2) لعل المراد أن العرش الذي هو علم الحملة بالكاينات نور في صدورهم نشأ من عظمة الله تعالى ودليل عليها ولذلك أيضا سمي بالعرش لاستقرار العظمة فيه (فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين) إشارة إلى النور الأبيض; لأن أبصار قلوب المؤمنين مصداق له إذ به تنورت قلوبهم بالأسرار والمعارف وحقايق الإيمان حتى أبصرت الخيرات كلها (وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون) (3) إشارة إلى النور الأحمر إذ به عاداه الجاهلون الملحدون،; لأن معاداتهم

1 - قوله: «وقد مر شرح هذا في باب النهي» في الصفحة 272 من المجلد الثالث وذكرنا في الحاشية كلام صدر المتألهين ووالد المجلسي - رحمهما الله - في تأويل الأنوار وزدنا في توضيحه بعض ما خطر ببالنا. (ش) 2 - قوله: «وذلك نور من عظمته» استعار (عليه السلام) النور لما يسميه الحكماء الإضافة الاشراقية، وصرح بأن ليس المراد بالنور هنا المحسوس بأن أضافه إلى عظمته تعالى وصرح أيضا بأنه الرابطة بين العلة والمعلول بقوله «فبعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون» إلى آخر ما قال، سبحانه وتعالى عما يصفون علوا كبيرا. (ش) 3 - قوله: «بعظمته ونوره عاداه الجاهلون» العداوة لا بد لها من موضوع تتعلق به إذ لا يمكن عداوة اللاشيء والمعدوم كما أنه لا يمكن عداوة ما لا يدركه الإنسان، وصرح (عليه السلام) بأن المنكر جاهل مع أنه يجهل الموحدين; وذلك لأن عمدة أدلة الملاحدة التشبث بعدم الوجدان ليثبتوا به عدم الوجود، وهذا دليل بديهي البطلان لا يتمسك به إلا الجاهل كما قال تعالى: (ما لهم بذلك من علم ان هم إلا يظنون) وبالجملة أدرك الجاهل شيئا فعاداه، وإدراكه بالإضافة الاشراقية التي بينه وبينه. (ش)
(٩٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 ... » »»
الفهرست