شرح فصوص الحكم - محمد داوود قيصري رومي - الصفحة ٤٨٤
يجد التنوع في الصور التي في المرايا المتعددة مع أنه عالم بأنها صورته لا غير.
(فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إلا بعد القبول وإن كان يعرفه مجملا). لما ذكر أن العطايا بحسب القوابل يتنوع، أعاد كلامه في الاستعداد. و (الفاء) في (فمن عرف) للنتيجة. أي، فمن عرف صورة استعداده وما يعطيه في كل وقت، عرف صورة قبوله، أي صورة ما يقبله ذلك الاستعداد، فإن العلم بالعلة للشئ، من حيث هي علة له، يوجب العلم بمعلولها. وليس كل من يعرف قبوله لشئ يعرف ما هو سبب لذلك القبول، إلا مجملا، ولا يعرفه مفصلا إلا بعد القبول، فإنه حينئذ يعرف ذلك الاستعداد المعين مما قبله.
(إلا أن بعض أهل النظر (39) من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه). لما قرر أن الله لا يعطى لأحد شيئا إلا ما يقتضيه حقيقته وتطلبه من حضرته، فكان أهل الظاهر يعتقدون أن الحق فعال لما يشاء في الأزل مع قطع النظر عن حكمته وفعال لما يريد في الأبد مع قطع النظر عنها وعن اقتضاء الأعيان تلك الأفعال، استثنى قولهم. فهو استثناء منقطع. وإنما نسب عقولهم إلى الضعف، لأنهم ما شاهدوا الأمر على ما هو عليه في نفسه، ولا اطلعوا على سر القدر، وزعموا أن الحق يفعل الأفاعيل من غير حكمة، حتى جوزوا عليه تعذيب من هو مستحق للرحمة وتنعيم من هو مستعد للنقمة. تعالى عن ذلك علوا كبيرا. ومنشأ زعمهم هذا أنهم حكموا بمفهوم (المشية) وإثباتها له تعالى، وما عرفوا أن المشية متعلقة بالفيض الأقدس، كما قال تعالى: (أ لم تر إلى ربك كيف مد الظل). أي، الوجود الخارجي، (40) (ولو شاء لجعله ساكنا). أي، منقطعا

(39) - والمراد من (بعض أهل النظر) أصحاب الشارح العلامة، أي الأشاعرة. والشارح يأبى عن التصريح بأنهم قالوا بالإرادة الجزافية وأنكروا الحسن والقبح العقليين. (ج) (40) - قد يقال، الظل على الفيض الأقدس باعتبار ظهوره في حضرات الأسماء والصفات مع حفظ كونه ظهور الحق. وظله، أي حفظ الوحدة في عين الكثرة. وعلى هذا (مده) هو الفيض المنبسط المقدس. وفي قوله: (مد الظل) إشارة إلى اتحاد الظاهر والمظهر، وكون الظاهر هو المظهر الممتد. وإشارة إلى أن وقوع الكثرة فيه أكثر مما وقعت في الحضرة الفيض الأقدس، فان الكثرة، وإن كانت أصلها منه، لكنها في تلك الحضرة كثرة علمية، وفي ذاك كثرة عينية. وقد يقال الظل على الفيض المقدس باعتبار استهلاكه في الحضرة الأحدية، و (مده) هو بسطه على الحقائق الممكنة وظهوره في المرائي المتعينة. وبالجملة، الضل مقام الكثرة في الوحدة، و (مده) ظهور الوحدة في ملابس الكثرات. والظل مع مده متحد واختلافهما اعتباري. فعلى الاصطلاح الأول كان (الرب) من الأسماء الذاتية، وعلى الثاني من الأسماء الصفتية. (الإمام الخميني مد ظله)
(٤٨٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 479 480 481 482 483 484 485 486 487 488 489 ... » »»